للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغاية تبرر الواسطة، هذه هي السياسة الميكافيلية المعروفة في كتابه (الأمير)

ومن فلاسفة الاجتماع السياسي (منتسيكو) الذي كاد يتفق مع ابن خلدون على وجوب اشتقاق القوانين من (روح القوانين) وهو ما قال بهأيضاً (جوستاف ليبون).

وثمت مدرسة تعاونت على تفهم العقل كملكة إنسانية لها قيمتها. فاستعانوا بالتشريح على هذه الغاية فعرف البيولوجيون الجهاز العصبي في نشوئه وارتقائه، ووقفوا على تكامله الداخلي والخارجي، وتتبعوا الأمخاخ في كل الفصائل الحيوانية حتى عرفوا مراكز المخ، وبذلك ساعدوا رجال علم النفس على رد أنواع السلوك إلى مراكز كانت من قبل وهماً وضرباً من التخمين. غير أن علماء النفس لم يهتموا بالعقل إلا على أنه ملكة الإدراك العام، ودرسوه باسم أما الفيزيقيون فقد استقرءوا الظواهر وتوصلوا إلى قوانين ضرورية ثابتة هي غاية ما يطمح إليه العقل البشري، وهم بوسائلهم المعروفة في النظر والتجريد والاستدلال أعانوا على كشف الحياة والسيطرة عليها؛ غير أنهم لا ينكرون الفكرة السعيدة التي تأتي الواحد منهم في ساعة التجلي والتجرد فيلهم الجواب على المشكلة التي طالما عصر من أجلها ذهنه، كما أتاحت لنيوتن فرصة كشف قوانين الجاذبية، وكما اكتشف أرخميدس قانون الضغط إذ هو في الحمام.

أما أهل الفن فقد نظروا إلى الناحية الوجدانية من النفس الإنسانية دون الجوانب الأخرى فعبروا عن أصداء الحياة في النفس تعبيرات شتى بالتصوير والنحت والنقش والموسيقى والغناء والشعر. وكل واحد يتمنى لو طار بجناحين إلى ذلك الوادي الذي يومض إليه من حين إلى آخر بومضات ينفذ إليها الخيال مسترقاً ما يستطيع من روائع الفن وآيات الجمال.

وبعد: فهل للعقل وجود حقيقي؟ لا شك أني موجود، ولاشك أيضاًفي أني أعرف أني موجود. وهل معرفة من غير عقل؟ قد يقال إن الحيوان يعرف أنه موجود، فهل معنى ذلك أنه ذو عقل؟ نقول: لو ظل الإنسان كالحيوان في مجرد معرفته الواهمة - كما قول ابن سينا - لما زاد عليه شيئاً. وإنما الإنسان يعرف ويعرف أنه يعرف، ولا كذلك الحيوان.

ولكن إذ نحاول معرفة هذا العقل نحن نرجع إلى العقل. أليس في ذلك دور كما يقول المناطقة: نريد أن نعرف ما لا نعرف بهذا الذي لا نعرف. نحن إذن واهمون في هذه الحياة، وكل ما لدينا من معرفة هو أننا واثقون من هذا الذي نحن فيه واهمون.

<<  <  ج:
ص:  >  >>