وجده من قبله). وقد تحققت مخاوف فيلون وأدت إلى خراب اليهود في معظم البلدان التي عاشوا فيها.
وحينما صدر وعد بلفور الذي يمنح اليهود في الظاهر وطناً روحياً، وفي الباطن دولة يهودية، احتج عقلاء اليهود عليه، ولكن احتجاجهم ذهب صرخة في واد، واعتبر المحايدون ذلك الوعد افدح ضربة وجهت إلى اليهود في التاريخ. والذي يرجع إلى المذكرات التي كتبها هربرت صموئيل أول مندوب سام على فلسطين يجد صورة واضحة المعالم فيها من أعماق قلب يهودي شديد الاتزان، بعيد النظر.
وأقبل القرن الرابع الميلادي وأصبحت المسيحية دين الدولة الرومانية، وأصر اليهودي المتعصب على القطيعة وبقى على معتقده القديم، ولم يحاول اليهود العودة إلى فلسطين بعد عام ١٣٥ م حتى لم يذهب إليها حاج واحد ولم يأتوا إلا بعد اضطهاد الأسبان لهم، وجاءوا لاجئين لا حجاجاً.
وعلى أثر اضطهاد اليهود وطردهم من إنجلترا عام ١٢٩٠ وفرنسا عام ١٣٠٦، وأسبانيا عام ١٤٩٢، فتح ملوك ألبانيا أبواب بلادهم لهم، ولكن اليهودي العتيد بقى نفس ذلك اليهودي المطرود بكل ما فيه من تعصب لجنسه، يعيش منفصلاً عن الأمة البولونية ويمتص دماءها وأموالها، فنشأ البغض هناك وأطل الاضطهاد برأسه. ونتساءل دائماً لماذا؟ لماذا؟ لماذا يضطهد اليهودي ويبغض، الخطأ عند الناس لخطأ في طبيعته؟
وتحسنت أحوال اليهود بعد القرن الثامن عشر بسبب الهجرة إلى أمريكا، ولكن المهاجرين اليهود حملوا إلى الدنيا الجديدة معهم بذور الاضطهاد فنبتت حولهم هناك.
ونشأت فكرة الدولة اليهودية من الخوف من تكاثر عدد اليهود المنصهرين في الشعوب، ثم لإيواء اليهود المضطهدين. تلك هي التربة التي نمت فيها بذور الحركة الصهيونية.
يحدثنا التاريخ أن نابليون بونابرت في العام السابع من الثورة الفرنسية قد دعا يهود آسيا وأفريقيا للانضواء تحت لوائه لاسترجاع أورشليم.
وتجنس عام ١٨٤٠ اليهودي الإيطالي موييز حاييم مونتفيورى بالجنسية الإنجليزية ومنح لقب سير وهو صاحب فكرة إقناع الإنجليز بحماية اليهود في الدولة العثمانية، ولكن إنجلترا في ذلك الوقت لم تجد مصلحتها في جانبه فلم تساعده، وحاول إيقاف هجرة اليهود إلى