بالفشل وكان جواب السلطان لوسيطه:(قل للدكتور أن يعدل عن الإصرار على هذا الأمر فأنا لا أستطيعالتنازل عن شبر واحد من أرض السلطنة لأن هذه الأرض هي ملك لشعبي لا ملكاً لي وقد أهرق هذا الشعب دمه للاستيلاء عليها فليحتفظ اليهود بملايينهم، ولعلهم يتمكنون من الفوز بفلسطين بدون مقابل متى قطعت أوصال السلطنة. أما أن أقبل طوعاً بأن ننتزع منها أحد أجزائها فلا. . .
(أنني لا أستطيع أن أرضى بتشريحها وهي لا تزال على قيد الحياة. . .)
لكن هرتسل استعمل الأساليب الملتوية رغم هذا الجواب الصريح وخرج على مبادئ الهجرة الكثيفة. . . وكان في الوقت الذي يدعو فيه إلى اتحاد يهودي إسلامي للتفوق على المسيحيين، كان يفاوض إمبراطور ألمانيا ويحاول إقناعه بالفوائد التي تجنيها ألمانيا من إيجاد فلسطين، إذ لا بد أن تمهر بطابع من الثقافة الألمانية، ومع ذلك فلم يكتب له التوفيق، ففشل مع غليوم وعبد الحميد، لكنه لم ييأس وأدار وجهه إلى إنجلترا، وكانت تعاني من كثرة تدفق المهاجرين اليهود عليها، فرحبت بالفكرةلأنفيها الحيلولة بينها وبين السبل الجارف من المهاجرين - ولكن إنجلترا لم ترد إغضاب السلطان، فاقترح هرتسل جزيرة قبرص أو العريش لكن جوزيف شمبرلين وزير المستعمرات اقترح عليه (اليوغندا) لتكون موطناً يهودياً. . . ولما تألفت لجنة لدرس هذا المشروع كان هرتسل قد مات فقضى على الفكرة نهائياً ورفضها مؤتمر ١٩٠٥ رفضاً باتاً.
وهنا ظهرت أقلية يهودية أسمت نفسها منظمة الأراضي وأسلوبها شراءالأرضوإقامة المستعمرات والمدارس والهجرة بأسلوب خفي تقوم الدولة اليهودية ويطرد العرب من فلسطين
وهكذا لعب اليهود بالنار التي احترقت وستحرق في لهيبها أرواح بريئة من بني الإنسان ففازو خداعاً بالجولة الأولى، واستقروا على فوهة بركان من حقد أربعين مليوناً منأمةأحسنت لليهود في أوقات المحن التي مروا بها؛ نغلي في أعماق ذلك البركان حمم رهيبة من الثأر وويل للظالم من المظلوم. . .
وهذه جولة خاطفة في رياض هذا الكتاب النفيس، طفناً بالقارئ فيها حول وروده ورياحينه، ومررنا بتلك اللفتات الذهنية البارعة. يقص المؤلف كل ذلك على لسان اليهودي