للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العلاقات السياسية وتطورها بل يؤخذ رأيه في أهم ما يدور البحث فيه بين بلاده وإمبراطورية النجاشي.

وكان من واجبه أن يرقب بانتباه وعناية تامة كل حركة يقوم بها النجاشي لتنظيم بلاده سياسياً أو محاولته تركيز السلطة في يده، وكان من أهم ما تخشاه إيطاليا هو أن تنجح الحبشة في مشروعها الذي يرمي لإيجاد جيش منظم على الأساليب الأوربية ومزود بالأسلحة الحديثة، فينتهي النجاشي أن يوفق في الاستفادة من مزايا وصفات قومه الحربية وطبيعية ارض بلاده.

وكانت الحبشة خالية تماماً من تلك الطبقة الممتازة من الضباط الوطنيين الذين يفكرون بتفكير الأوربيين أو يعرفون طرق الحرب الحديثة وخاصيتها وما تتطلبه من فن ومقدرة، وما تستلزمه من نظرة نافذة واعية، حتى يتمكن أصحاب هذه المهنة من وضع الخطط الحربية وتنفيذها.

ويذكرني هذا بما قرأته عن كلام مصطفى كمال الزعيم التركي الذي أسند أسباب نهضة تركيا الحديثة إلى تلك النخبة من الضباط العظام الذين لولا نظرتهم الإيجابية لضاعت بلادهم كما ضاع من قبل استقلال بخاري ومراكش وتونس ومصر: فهذه النخبة من الضباط الذين يجمعون بين العلم والفن العسكري الأوربي، والجرأة المستمدة من الشعور القومي هي التي كان بوسعها إنقاذ البلاد، وهي التي اطمأنت إيطاليا من عدم وجودها ولم يكن هناك من يحل الساسة للأمور محدود، ونظرتهم قاصرة وكل هذا يبعدهم عن فهم الحقائق وضرورات العصر الحالي فكانوا يحضرون أنفسهم للهزيمة والإبادة.

ويقول بادليو أن النجاشي أخذ في السنوات الأخيرة يلجأ إلى الاستعانة ببعض الأخصائيين من الأجانب الذين لبوا دعوته وقاموا يرسمون له الخطط، فاشتد قلق السلطات الإيطالية خوفاً من أن تستعد الحبشة عسكرياً تحت إشراف هؤلاء الضباط الأوربيين - فتنشئ لها جيشاً وطنياً قد يقف عقبة في سبيل أطماع إيطاليا أو يزيد مشاكل الفتح وتكاليف الحرب القادمة. ولذلك رأت الحكومة الإيطالية أن الساعة قد أزفت لمواجهة المسألة الحبشية بالفصل فيها قبل أن يستفحل أمرها: وأن تضرب الحبشة ضربات حاسمة وبسرعة لكي تضمن تصفية هذه المملكة تصفية نهائية وبطريقة لا تمكنها من القيام مرة أخرى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>