للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولقد جاء الفيزيوقراطيون بفكرتين جديدتين هما:

١ - سمو الزراعة على التجارة والصناعة.

٢ - إيجاد (نظام طبيعي أساسي للمجتمعات الإنسانية) كما يدل على ذلك نص عنوان كتاب للفيزيوقراطي الشهير (مرسييه دي لارفيير)

أما الزراعة فقد أعطاها الفيزيوقراطيون من الأهمية ما لم يعطوه لغيرها، لأن الزراعة في نظرهم ليست مصدر الغلة الصافية فقط، بل هي المصدر الوحيد للثروة، وما عداها عقيم والإنتاج الزراعي أجل من غيره من الأنتاجات لأن الأرض تحتوي على جميع أسرار سعادة الإنسان.

والزراعة أولاً وبالذات هي التي تخلق الثروة، أما الصناعة والتجارة وسائر الحرف فكل عملها أن تحول الثروة، وشتان بين الخلق والتحويل ثم إن العمل الزراعي - دون سواه - يعالج المواد من أجل الثروة.

والتعدين والقنص والسماكة كل ذلك تابع للعمل الزراعي ويندرج تحت اسم (استخدام الطبيعة) ولو أمكن استخدام الهواء والسماء لحسبهما الفيزيوقراطيون أيضاً من هذا العمل.

وضع الفيزيوقراطيون لهذه الأعمال جداول، ووضعوا لها قواعدها وشروطها ووسائلها، أما التجارة فإنها لا تزيد من قيمة المنتجات بتحويلها، فقالوا: (إنك حين تنصرف عن المحراث لتكون تاجراً، فإن التجارة لن تجعلك تنتج قمحا) وأما الصناعة فهي كالتجارة تحول ولا تخلق.

ولنا أن نقول هنا إن ما يسميه الفيزيوقراطيون نظرية لا يعدو أن يكون مجرد رغبة أو رأي، حفزهم إليه النزوع الأدبي قبل كل شئ، وليس أدل على ذلك من كتابات (روسو) الأديب السياسي معاً، وقد سارت السياسة والأدب في عصره جنباً إلى جنب.

والنفس بطبيعتها تنزع إلى الطبيعة بما فيها من وداعة واطمئنان بعد الشعور بالمادية الطاغية وعند النفور من لجب المدينة وضوضائها. على أن القول بأن الزراعة تخلق الثروة غير صحيح، لأن الفلاح لا يخلق شيئاً، وإنما هو يحول في المواد إلى التربة والهواء ويؤلف بينها، فهو يستنتج القمح من الماء والبوتاسيوم والسليكون والفوسفات والنتروجين، شأنه في ذلك شأن الصبان يصنع الصابون من المواد الدهنية والبوتاسا. وإذن

<<  <  ج:
ص:  >  >>