للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومن أمثلة وصف الطبيعة الجميل في هذا العهد - وإن تعمد

فيه الشاعر المحسنات - قول أمين بن خالد الجندي:

يا حبذا الربوة من دمشق ... بالفضل حازت قصبات السبق

كم أطلعت بها يد الربيع ... من كل معنى زائد بديع

وفتح الورد الكفوف إذ دعا ... داعي الصباح للها ورجعا

وفككت أنامل النسيم ... أزرار زهر الرند والشميم

وسقطت خواتم الأزهار ... من فتن الأغصان كالدرارى

والتف سيف البرق في أوراق ... مذ شام خيل الريح في سباق

ما بكت السماء بالغمام ... إلا وصار الزهر في ابتسام

ونحن إذا ما تتبعنا الشعر خلال هذا القرن، وبخاصة بعد أن انقضى عهد منه؛ لحظنا فيه بدوراً من بوادر النهضة توشك أن تظهر في وضوح وجلاء مع توالي الأيام. فما الذي أحدث هذا يا ترى؟! وما البواعث التي جعلت الشعراء يعزفون عن التقليد شيئاً فشيئاً، ويقبلون على ألوان جديدة من الشعر، توشك أن تحمل مميزات الشعر وصفات التجديد؟

نحن لا نشك في أن العلم الذي قطرته البعثات، ومهدته الترجمة قد وجد طريقه إلى الشعر ففرزت معانيه، ودقت ورقت أخيلته، وسمت وتعددت آفاقه، فخاض في ألوان جديدة، وطرق معاني لم يكن يطرقها من قبل. وعندئذ التفت الشعراء إلى ثقافة الماضي فوجدوها آلية، قد تقيم اللسان، ولكنها لا تقدر على البيان، وقد تدرب على الصرف والعروض، ولكنها لا تجلو لعيني الشاعر أسرار الحياة، ولا تمده بالخيال الخصيب والمعاني البديعة، ولهذا عابوا على النحو والنحويين، وانتقدوا العروض والعروضيين. فاستمع إلى الشيخ الأسير يعيب على شعراء اللفظ:

خليلي كم قد جاء في الناس شاعر ... وليس له بيت من الشعر عامر

واستمع إلى إلياس صالح وهو يتهكم على المبالغة في النحو:

ماذا الذي يهمني ... إن قام زيد أو قعد؟

أو إن ذهبت ماشيا ... أو راكبا نحو البلد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>