وهذا ولا شك إعلان للحرب على القديم، حيث كان الناس يعدون من لا يبالغ في دراسة النحو والصرف والعروض لا يحق له أن يغامر في ميدان الشعر. وقد آمن الكثير من الأدباء ومنهم الأستاذ العقاد والدكتور هيكل باشا بأن أول من جمع بين الطريقتين ولفق بين الاتجاهين الساعاتي الشاعر؛ فقد كان وسطاً بين الناسجين على طريقة القدامى، والناقدين لمذاهبهم في المبالغة لدراسة النحو والعروض فهو القائل:
فدعني من قول النحاة فإنهم ... تعدوا لصرف النطق من غير لازم
إذا أنا أحكمت المعاني خفضتهم ... وأرفعها قهرا بقوة جازم
وما أنا إلا شاعر ذو طبيعة ... ولست بسارق كبعض الأعاجم
ومن بواعث التجديد في النصف الثاني من هذا القرن، أن الناس قد استروحوا شيئاً من نسيم الحرية الشخصية، بعد أن كمت الأفواه وغللت الأقلام قروناً طوالاً، فوجد الشعراء في خلال هذه الحرية منفذاً إلى تصوير العواطف والانطلاق على السجية؛ فعبروا عن النفس في انقباضها وبسطها، وهتفوا بالمعاني الكريمة التي تصور المآرب والآمال. وأنا أعني بهذه الحرية ما عناه الشاعر وترجمه المنفلوطي حيث قال: (أريد أن أعيش حراً طليقاً أضحك كما أشاء، وأبكي كما أريد، واحتفظ بنظري سليماً، وصوتي رناناً، وخطواتي منتظمة، ورأسي مرفوعاً، وقولي صريحاً، أنظم الشعر في الساعة التي أختارها، وفي الشأن الذي أريده، فإن أعجبني ما ورد منه فذاك، وإلا تركته غير آسف عليه، وأخذت في نظم غيره، بدلاً من أتوسل إلى الطابعين أن ينشروه، والأدباء أن يقرظوه، والممثلين أن