للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فقد علم العراق لنا قديما ... أيادا ليس تنكرها الشام

وفي أرض الحجاز لنا فيوض ... يسيل لها إلى اليمن انسجام

وفوق الأندلوس لنا بنود ... لهامات النجوم بها اعتصام

وسل في الغرب عن آثار فخر ... لها في جبهة الزمن ارتسام

ولسنا القانعين بذكر هذا ... وليس لنا بعروته اعتصام

ولكنا سنجري في المعالي ... إلى أن يستقيم لها قوام

والالتفات إلى مجد العرب لفتهم إلى مجد قومي آخر يتصل بالماضي القديم، وكان هذا أكثر ظهوراً في مصر؛ لما لها من مجد عريق، فها هوذا السيد الدرويش يحاول أن يتحدث عن الهرمين وخلودهما ولكن الأسلوب لا يسعفه فيقول:

أنظر إلى الهرمين واعلم أنني ... فيما أراه منهما مبهوت

رسخا على صدر الزمان وقبله ... لم ينهضا حتى الزمان يموت

وها هوذا الشيخ نجيب الحداد يتحدث عن مجد مصر فيقول:

أرض إذا لم يعل في أرجائها ... علم فإن كرامها أعلام

لبست من المجد التليد مطارفا ... ولها من المجد الطريف وسام

وتعانقت والفخر من قدم كما ... قد عانقت ألف الكتابة لام

مجد به هرم الزمان ولم يزل ... غضا وقد شهدت به الأهرام

ومن حقك الآن أن تسأل: إذا صح أن الالتفات إلى القومية والاعتزاز بالكرامة، قد جعلا الشاعر يخوض في أغراض غير التي ألفها الشعراء من قبل، ويتناول من المعاني ما غاب عن السابقين، وند عن الغابرين، فكيف نفسر قوة الأسلوب الطارئة، والعزوف عن المحسنات البديعية التي فتنت الناس عهوداً طوالا!؟ وأنا أجيب بأن الاتجاه إلى الأمور الجدية يصرف المرء دائما عن الصغائر، ويبعده عن العبث الذي لا طائل تحته، فما قيمة مراعاة الجناس والطباق والتورية فيما يتطلبه صاحب الهمة من الإصلاح، وما قيمة مراعاة النظير وحسن التعليل لراغب في تصوير عواطفه والانبعاث على سجيته. لقد كبرت آمال الشعراء ونفوسهم فترفعوا عن كل صغير تافه، والتمسوا تحقيق المآرب من أقرب المسالك فأزالوا ما يعترضهم من عقبات، وألبسوا معانيهم الأسلوب السهل الجميل، وهو لا يحملهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>