نطاق جهودهم الثقافية ومن حدود أهدافهم السياسية. بل ظلوا يحلمون بالوطن الأكبر الذي يضم جميع المتكلمين باليونانية، حتى تكللت جهودهم بالنجاح التام. ألا يظهر من ذلك كله أن تاريخ اليونان الحديث لا يؤكد الرأي الذي أبداه سعادة لطفي السيد باشا، بل أنه - على عكس ذلك - يشهد شهادة صريحة ضد ذلك الرأي ويفنده تفنيدا قاطعا. أما مقال الدكتور أحمد زكي بك فقد أشتمل على العناصر الآتية:
١ - تفنيد القول بأصول الأمم وأن الفكر الحديث قد أطرح هذه الأصول، وأستدل بأمة الولايات المتحدة التي تكونت من أمم مختلفة، ولم يمنعها اختلاف الأصول أن تكون أمة مرتبطة مشتركة الأحساس، يتسابق أفرادها في الذود عنها.
٢ - الجماعات الإنسانية تأخذ بالوراثة القليل الأقل من الآباء، وتأخذ بالمران الكثير الأكثر من البيئات: الجغرافية والإنسانية والثقافية والتاريخية الزمانية فأثر البيئة يغلب على أثر الوراثة حتى لا يكاد الثاني يبين.
٣ - المصريون لا تصلهم بقدمائهم صلة، فالقبط الذين يقال إنهم اخلص أنساباً لا يتفق بياضهم وخضرة عيونهم مع ما عرف عن القدماء، وليس بينهم وبين المسلمين فروق بينة وقد هضم الوادي كل من دخله
٤ - العربية عنصرية لا ترتكز على حقيقة، فقد اختلطت الأنساب في كل بلادها والإسلام رفض الأنساب ورفض الأحساب.
والخلاصة التي انتهى إليها الدكتور زكي بك أن مصر أمة بالذي فيها اليوم من أهل، كانت أصولهم ما كانت، مساكها روابط مما يربط الأمم الحديثة، وأكبر هذه الروابط رغبة أهلها في أن يكونوا أمة واحدة ويداً واحدة على الخير وعلى الشر، ومن هذه الروابط شركة في أسلوب الحياة الواحدة والتفكير الواحد، ومن وراء التفكير الواحد الثقافة الواحدة، ومن وراء العواطف الواحدة التاريخ القريب الواحد)
والواقع أن هذه العناصر التي تحدث فيها الدكتور أحمد زكي بك لا تنفي عنا القومية العربية ولا تقتضي انعزالنا مصريين خالصين من العروبة والعرب، فالفكر العربي الحديث لا يقيم القومية العربية الحديثة على الأصول والأنساب، فإذا قلنا إننا عرب فليس يلزم لصحة ذلك أن نكون منحدرين من أصلاب القحطانية أو العدنانية. ويظهر من ابتداء المقالة