شر عصف. فعكف العالمان المذكوران على إجراء البحث لاكتشاف مصل يفيد في المناعة ضد الميكروب ويقي الإنسان نهائياً شر هذا البعوض الفتاك، وتوصلا إلى اكتشافه عن طريق القرد والجرذ. ذلك أن ميكروب هذا البعوض لا تمكن رؤيته بالميكروسكوب؛ وهو شديد الفتك بالقردة، ولكنه لا يؤذي الجرذان إلا إذا كانت الإصابة في المخ، فعندئذ يتحول فعل الميكروب ويغدو شديد الفتك بها، وقد لقح العالمان المذكوران الجرذ في المخ بدم البعوض، ثم استخرجا (الفيروس)(الميكروب) من الجرذ ولقحا به القردة فلم يؤثر فيها. ومن هنا نشأت فكرة المصل الواقي، وقد لقي الدكتور ليجريه صعاباً كثيرة، ومنع من إجراء تجاربه في البشر في معهد باستور، ولكنه استطاع أن يجريها في ثلاثة من التونسيين تطوعوا لذلك، فجاءت النتائج العملية تؤيد اكتشافه. فانتقل إلى أفريقية الغربية، وفاوض السلطات في دكار حتى سمحت له بتلقيح ثلاثة آلاف أوربي بالمصل الجديد؛ وكانت النتيجة باهرة، لأن ألفين لم يحدث لهم شئ؛ وأصيب الألف الباقي بشيء من رد الفعل والحمى اليسيرة؛ وكانت مناعة الذين لقحوا تامة ضد البعوض المعدي؛ وتأيدت بذلك صحة الاكتشاف وخطورته، وقدم بذلك مذكرة إلى أكاديمية العلوم لتتوجه بصفة رسمية.
ويجري اللقاح المذكور على ثلاث دفعات بين كل منها عشرون يوماً، وتؤخذ مادته من ميكروب الجرذان الحي، ويمكن تجفيفه وتصديره إلى الجهات الحارة دون أن يفقد خواصه.
ولا ريب أن سيكون لهذا الاكتشاف أثر عظيم في مكافحة الحمى الصفراء وانقاذ الملايين من فتكها الذريع.
مؤرخ مسرحي
توفي في أوائل هذا الشهر أديب ومؤلف فرنسي كبير هو فيلكس جاف، أستاذ الآداب بالسوربون، وكان مولده في سنة ١٨٧٤. وقد بدأ بتدريس النحو وفقه اللغة في السوربون؛ ولكنه شغف بالموسيقى والمسرح والفن؛ وعنى عناية خاصة بدرس تاريخ الفن والمسرح؛ وأصدر في سنة ١٩١٠ أول كتاب جامع عن (الدرامة)، وعنوانه (الدرامة في فرنسا) ثم أصدر كتاباً عن (المتناقضات في عصر لويس الرابع عشر) وشغل كرسي (تاريخ الأدب المسرحي) في كلية باريس أعوام طويلة، وكان حجة في كل ما يتعلق بهذا النوع من الأدب.