لأنه عام، ويسميه والآخر يعتبره فكرة خاصة بصاحبها ويسميه فهو خاص أو أخص الخواص، وذلك أدعى إلى النفرة والخلاف، بسبب اختلاف الناس في مدى تجاربهم عن الحياة، ولعدم وجود رابط للتوفيق بينهم، وما دام السلوك الإنساني شخصياً، والسلوك الحيواني فردياً. إذ الإنسان - كما يرى علماء البيولوجيا - (شخص) بينما الحيوان (فرد)
ومع ذلك لو تركنا للفكر حبله على غاربه لذهب بنا إلى وديان ومتاهات لا نهاية لها، ولا متنع - مع هذا التيه والبعد - ما هو مرجو من الفكر، لتحقيق أغراض اللغة كأول رابطة تعاونية بين الإنسان والإنسان.
لهذا تنازل الناس إلى بعضهم بعضاً عن الحقوق المحفوظة في الخواطر والمشاعر والأنظار، وهداهم الأمر إلى الإنفاق على مسمى الاسم وهو القاسم المشترك الأعظم بين أفكار الناس عن مفاهيم الألفاظ.
ومما يقوي تركيز الأفكار ويمنع تشتتها استغراق المشاعر والميول في النظر إلى الأشياء. فكلما اتحدت مشارب الناس وتوافقت طباعهم وعوائدهم قل الخلاف على معاني الأشياء اختياراً واستعمالاً. وعلى العكس من ذلك إذا تنافرت الطباع وتناكرت الارواح بعد ما بين الناس، وصعب التوفيق، وضار صرخة في واد. أو نفخة في رماد.
ففي الهند ٢٢٢ لغة يصعب معها تفاهم القادم من (بمباي) مع المقيم في (مدراس)، وليس ذلك إلا مظهراً للخلافات الفوارق الاجتماعية. فلا عجب إذا قلنا إن الانحلال الاجتماعي يتبعه دائماً انحلال لغوي، إذ تعود الإفهام إلى الفوضى الذهنية الأولى فتتخطى الاتفاقات والمعاهدات وتضرب بها عرض الحائط.
وهكذا تكون اللغة مرآة تنعكس على صفحاتها مجرى الحياة القومية لشعب من الشعوب، فقد طغت الموجة السفسطائية على الحياة اليونانية ردحاً من الزمن فتشتت الشمل، وساد الانحلال الخلقي، واستبدت بالشباب نزعة الاستعلاء الباطل، والتمويه والتزويق، وكادت الروح اليونانية تلقي مصرعها النهائي لولا أن أتاح الله للفكر الإنساني سقراط الحكيم الذي وجه كل كتائبه الأولى نحو تحديد الألفاظ، فقطع على السفسطائين أفاعيلهم ورد إلى الإنسانية كرامتها الفكرية.
والإنجليز يسودهم (المادية) حتى في مجال الحياة المعنوية، فهم يقولون وهكذا يجعلون