صغار) وكأن (الاجتهاد) الذي يصاحب (النبوة) الكبيرة (غريزة) من أقوى غرائزهم الفطرية غرزها فيهم النبي لتصاحبهم وتوجههم غريزياً، وتلهمهم إلهاماً ما يقولون وما يعملون وما يسيرون كما ينبغي أن يكون القول والعمل والسيرة الشخصية (للنبي الصغير) في غيبة (النبي الكريم). فهم ينظرون إلى أنفسهم وما حولهم ومن حولهم نظرة فيها من الأصالة والاستقلال والحرية ما لا يتوفر إلا لعظماء (المجتهدين).
وهؤلاء لا يظهرون كأنهم (أنبياء صغار) إلا عند مقابلتهم (بالنبي الكبير) وإلا فأنهم إلى جانب كثير غيره من المشهود لهم بالإلهام يظهرون كأنهم قمم لا تطاول.
إن الوجود بكل ما فيه ليبدو لهؤلاء - كما يبدو لكل عبقري - طازجاً غضاً كأنما لم يخرج من يد الله إلا في اللحظة التي رآه فيها. إنه ليبدو في عينيه وجوداً (جديداً) لم يكشفه أحد من قبله، ولم يبدو فيه رأيه، ولم يسم شيئاً فيه باسمه. وآية ذلك أن وعيه لا يقف بداهة عند حد الأسماء التي سماه الناس وسموا محتوياته بها، ولا يعترف بداهة بالمواضعات تواضعوا عليها في معرفته، ولا بالأحكام التي قضوا بها في مشكلاته مهما يكن سداد هذه الأحكام، ومهما تكن قداستها، فكل أمر تقع عليه عيناه قضية لم تحقق، ولم يصدر عليها حكم، ولا تزال تنتظر منه نظره وحكمه، ولا بد أن يكون نظره فيها ثم حكمه عليها جديداً مستقلاً أصيلاً حراً جريئاً لا يأبه كيف أعتبر الناس قبله هذا الأمر مهما كانوا من الحكمة والقداسة.
ومن بناء هؤلاء وتعودهم على النظر المستقل فيما هو من عميهم المكلفين به نرى لهم نظرات أريبة أصيلة مستقلة حتى في ما جاوز عملهم، كما ترى استغراق نشاطهم في تأمل هذا الوجود لا سيما البشرية ذاهلين عن مآربهم المعيشية؛ فهذا الوجود ولا سيما البشرية - وهو الذي تبدو مشكلاته لأبصار العادين اموراً مفروغاً منها - يبدو بأبصار هؤلاء كأن مشكلاته لم يتناول شيء منها بالدرس، ولم يقل في شيء منها كلمة واحدة، بل لم يسم شيء منها باسمه. إن كل واحد منهم يبدو كأنه آدم الإنسان الأول الذي لم يشاهد الوجود إنسان قبله. وكأن قصته قصة آدم الملهم مع الملائكة على وصف القرآن الكريم (وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العزيز الحكيم. قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبئهم بأسمائهم قال: ألم أقل لكم: إني أعلم غيب السموات والأرض، وأعلم ما تبدون وما