ويلزم هذا المعنى الذي شرحته معنى آخر وهو المدح في المثال الثاني بطريق المبالغة، ويقاس عليهما ما أجمل الورد، وما أقبح الشر. فالمعنى التعجبي كما قلت أولاً، والصيغ بهذا المعنى أو بمعنى المدح والذم خبرية لفظاً إنشائية معنى، لأن التعجب والمدح والذم من وادي الإنشاء غير الطلبي، كما تقرر في علم المعاني. والمعنى اللازمي يفيد المبالغة في المدح أو الذم أو غير ذلك بحسب مواد التعجب. مثل أن نقول: العلم حسن جداً، والجهل في غاية القبح، والورد في نهاية الجمال، والشر قبيح جداً. فالمقصود الأصلي للعربي من صيغ التعجب هو الدلالة على التعجب، ودلالة على المبالغة في المدح أو الذم أو غيرهما تابع للمقصود، والذي قلته هنا قال مثله النحاة. ينظر الصبان علي الأشموني في أول باب التعجب. وبذا تبين أن النحاة فهموا معنى التعجب تماماً، وأنهم لم يهملوا المعنى الذي يدعي الكاتب أنه من عنده، وأنه لم يأت بجديد يتأثره القائمون بأمر النحو في مصر:
بقي أن رأيه الجديد بأن معمول فعل التعجب المنصوب المجرور بالباء الزائدة في نحو قولنا: ما أجمل الورد وأجمل به مسند إليه هذا الرأي الجديد المأخوذ من شرح أبن يعيش على مفصل الزمخشري (ص ١٤٨ جـ٧)!! ولا أطيل بذكر النص لئلا القارئ. فليرجع إليه إن شاء.
٣ - حملته على شيوخ النحو في مصر:
عني النحاة على طريقتهم في البحث والتمحيص بفهم المعنى من صيغتي التعجب أولاً، ثم بإعرابهما ثانياً.
ولا زلنا ندرس النحو على هذه الطريقة. وما الذي يضير إذا أعربنا (ما) بأنها تعجبية مبتدأ، و (أجمل) بأنه فعل ماض وفيه ضمير مستكن وجوباً يعود على (ما). والورد منصوب على التشبيه بالمفعول، وقلنا في إعراب (أجمل به) أجمل فعل ماض، جاء على صورة الأمر للتعجب. والباء زائدة زيادتها في وكفى بالله شهيداً) وضمير الورد فاعل في المعنى، لأنه الموصوف بالجميل الزائد. ماذا يضير لو وجهنا هاتين الصيغتين بهذا التوجيه الإعرابي أو بغيره من التوجيهات التي ذكرها النحاة بدون أن نتعرض لأساس القاعدة؟ اللهم إن انتقاد هذا الأمر الهين هروب من العلم، ورضى بالدعة وخمول القريحة.
ثم أمن أجل هذه التوجيهات السديدة تقوم القيامة، وتشن الغارة على النحو والنحاة؟!