حاله على أنه عدل، وقد رأوا أن حالة الطبالين والزمارين ومن إليهم من أهل اللهو في زمنهم لا تدل على العدالة.
والآن أين نحن من ذلك؟ إن الموسيقى والغناء والتمثيل فنون رفيعة، والموسيقيين والمغنين والممثلين لهم في المجتمع بحق مكانة ملحوظة، ومنهم أعلام ذوو أقدار كبيرة، فكيف ترفض شهادتهم لا لشيء إلا لأنهم موسيقيون أو مغنون أو ممثلون. نعم إن في بيئة المشتغلين بهذه الفنون بعض ذمي السلوك المنحرف، ولكنهم كغيرهم ممن لم ينص على عدم قبول شهادتهم، والعبرة بحال الفرد لا الطائفة.
لقد دهش ذلك الموسيقي حينما رفض القاضي قبول شهادته، بل لا بد أنه شعر بألم عميق في نفسه، لأنه وهو يشعر بقدره وسمو فنه يرى أن القضاء لا يعرفه إلى منزلة أي رجل عادي جاهل من ذوي الحرف والمهن التي لا تقبل المحكمة شهادته! فكيف يستطيع فنان محترم أن يوفق في عقله وفي شعوره بين منزلته الفنية والاجتماعية وبين تحقيره بعدم قبول شهادته في المحاكم الشرعية؟
هذا مثل لما وضع لزمن غير زماننا، وأصبح لا يوافق زماننا، ولا تمنع أصول الدين، بل تقتضي، أن نغيره إلى ما يوافقنا، بمقتضى إنزال الناس منازلهم وتحقيق الكرامة لذوي نفوس ومشاعر كريمة. وهو مثل نسوقه إلى علماء الدين، وفيهم من يحيون حياة عصرية يسمعون فيها الغناء والموسيقى ويشهدون التمثيل، ومنهم معجبون بأهل هذه الفنون، كذلك القاضي الفاضل، وقد سمعت مرة عالماً جليلاً يقول في مجلس يتحدث عن المغنين والمغنيات: نحن أم كلثوم. . إلى آخر كلامه، وهو يقصد أنه ممن يعشقون أم كلثوم في الغناء، وهؤلاء العلماء يخالفون في ذلك بحق نصوصاً فقهية تحكم بتحريم الغناء، وأذكر ما كنت قد قرأته في كتاب من كتب الفقه من (قول) لأحد الفقهاء مضمونه أن مجرد السماع حرام أما التلذذ بالنغمة فهو كفر!
ولا شك أنني أرى في مسلك علمائنا العصريين الذين يستمتعون بتلك الفنون ويعجبون بأهلها أي حرج، ولكن الذي آخذه عليهم أنهم يزاولون حياة (علمية) غير الحياة العلمية.
التكلم بالفصحى:
تناول بعض الكاتبين هذا الموضوع أخيراً على صفحات الصحف، وكان قد أثاره في