لم يتحدث نجيب مع زوجه في شأن العناية بولديه، فقد عرف معنى انسحابها، وأدرك أنها فهمت ما همّ أن يفعله. . . وعادت الحياة في البيت مطمئنة هادئة، فقد غيرت زينب سياستها في معاملة الولدين، ونسي نجيب ما كان، أو كاد.
وليلةً جلسوا على المائدة للعشاء، ومد صلاح يده يتناول قطعة من الفاكهة، فانجذب إليه غطاء المائدة فتلف نظامها وسقط بعض الأطباق على ملابسه وملابس أخته في جواره، وغضب أبوه ونظر إليه نظرة، وتوقفت زينب عن الأكل لحظة تقلب بصرها في نظرات ذات معنى بين الولد وأبيه، وتألم الولد فقام عن المائدة يدعي الشبع، ثم نهضوا جميعاً. ولم يطل بهم السهر تلك الليلة فصحب الرجل زوجه إلى النوم، وترك الولدين يهيئان فراش نومهما في غرفتهما. ولما سكن الصوت قالت زينب:
- نجيب! أرأيت ما فعل صلاح؟ لقد فقدت شهوتي للطعام حين رأيتك متألماً لما فعل، ألا ترى من الخير أن يأكلا وحدهما؟
- زينب! اسكتي. ونهض الرجل إلى الفراش ولكن لم يغمض له جفن، لقد تعاورته أفكار مظلمة، وأخذ يردد النظر بين حاضره وماضيه، لقد كان للأسرة معنى يحس وحدته في قلبه فأصبح لها في مرأى عينيه معنيان؛ في زوجه وولديه. ورجع أدراج الزمن يلاحق ذكريات عزيزة كاد يطمسها البعد الطويل؛ ثم أخذته إغفاءة الفجر، وخرجت له امرأته الأولى من فكره المضطرب وقلبه المتألم - طيفاً يعاتبه؛ وتخلت عنه حجة المعتذر؛ وأغضى حياءً من عنف تأنيب تينك العينين؛ ورأى ولديه يفران في رعب وفزع إلى حيث يلتمسان الأمان في صدر أمهما. وابتسم الطيف في رثاء وألم. . . واستيقظ، فارتدى ملابسه على عجل وخرج مبكراً إلى الديوان.
ووقف إبراهيم أفندي على سر صاحبه، وآلمه من أخته أن تكون على ما وصف زوجها قسوة وغلظة، ولم يخش على عشها أن ينهدم أكثر مما يخشى على ما بينه وبين صديقه من ود أن تنفصم عروته، وينحل وثاقه، ويعبث في عقدة الإخلاص منه إصبع الشيطان أو إصبع امرأة. . . ودبرا أمراً وافترقا على ميعاد.
في عصر ذلك اليوم دعا نجيب زوجه إلى نزهة، فركبا سيارة إلى بيت أخيها حيث استودعها نجيب إلى أن يعود. وأبدى إبراهيم لمقدمها شعور مرتاح وهو يخفي الغيظ في