صدره، وتعلق بها أولاد أخيها يتجاذبون ثوبها في سرور ظاهر، واستقبلتها زوجه بقبلة وداد وعناق مشتاق؛ واستدارت بهم حلقة يتناولون من كل حديث طرفاً، ويتبادلون شتى ذكريات أمس وأنباء اليوم وآمال الغد:
منذ أشهر لم تطأ زينب عتبة هذه الدار؛ منذ فارقتها إلى بيت زوجها تعترك في رأسها أحلام، وتصطرع في نفسها عواطف، وتعبث بطمأنينتها رهبة، وتتحرك في دمها غريزة امرأة، ترى ماذا تحقق من أحلامها وما أخفق وماذا تسعى إليه بعد، وأي حاليها كانت خيراً: حالها الآن وقد أصبحت ربة بيت وصاحبة أمر وسلطان، أم حالها أمس في تلك الغرفة من بيت أخيها ريانة شبعانة كاسية، ثم حسبها مما وراء ذلك من سعادة العيش أحلام لا تولد إلا في الظلام فلا تعيش تحت الشمس؟
وانتهت تأملاتها وقد زحف الظلام ولم يعد نجيب؛ ترى أي جليل من الأمر تلكأ به وهو الوفي إذا وعد! وهتف نفسها إليه، وهتف باسمه الشوق، وتحدثت إليه المنى: متى يعود.؟ ومد الليل رواقه ولم يعد، وراحت تتناهبها الأفكار، وتنوشها الهواجس، وتعبث بلبها مختلف الخواطر، وذكرت موقفها من ولديه أمس وموقفه، وخشيت أن يكون به ألم من بعض ما فعلت يريد أن يعاقبها عليه. . .
وكأن لم يكن لها عهد بالأكل على مائدة أخيها فجلست تقلب بصرها في أنواع الطعام وفي وجوه الآكلين، لا تكاد تمد يدها أو تحرك فكيها. وقاموا عن المائدة، ثم أوشك الليل أن ينتصف ولما يعد نجيب. . . وغلبها الخوف والألم، وهمت أن تكاشف أخاها بما في نفسها فلم تفعل، وطوت صدرها على هم متكبر! وقام أخوها يتثاءب فدعاها إلى النوم هناك. . . في الغرفة التي ودعتها منذ أشهر يوم صحت من أحلامها تستقبل الحياة التي طالما تمثلتها وتخيلت أيامها ولياليها في كنف الزوج العزيز. . وسلخت ليلتها لم تنم على جنب واحد، وأقبل الصباح أقبح من ليل داج مخيف. ومضى يوم ويوم وأيام وهي تصبح وتمسي على حال واحدة، وأحست أنها ضيف مملول. وشعرت بالوحشة تكتنفها، واجتمعت عليها الأفكار السود، ولم تستبن في ظلام يومها ما يضمره لها الغد، وأيقنت بما هناك. . . أترى زوجها يقدم على ذلك وهو الذي كانت تعرف من حبه إياها أنه يشق عليه أن يفارقها لحظة، فهل يطيق أن يفارقها إلى الأبد؟ ولكنها لم تحرص على هذا الحب، لقد كانت تطمع أن يكون لها