وحدها قلبه، وأن تستأثر بحبه من دون ولديه، ففقدت كل شئ ولم تظفر بشئ!!
وقال لها أخوها وقد جلسوا للطعام:
- لماذا لا تأكلين يا زينب؟ لعلك تخجلين أن تجلسي معنا على المائدة، فلا حرج أن تأكلي وحدك إن كان يحلو لك ذلك؛ وتستطيعين أن تطهي طعامك بيدك إذا أحببت ألا تأكلي من طعامنا. ونظر إلى زوجه ونظرت إليه. وسكتت زينب فلم تجب، ولم تأكل أيضاً، فقد ازدحمت في عينيها الدموع. وقامت عن المائدة فلم يلح عليها أن تجلس كما يلح على زوجه وأولاده حين يفرغون قبله من الطعام. أتراها ثقلت عليهم إلى حد أن يكرهوا أن تأكل معهم من طعام واحد؟ لقد هانت عليهم من قبل، حين أذنوا للخادم أن تسافر لزيارة أمها، وتركوها وحدها تؤدي عملها، فلم يساعدها أحد أو يشكر لها يداً، أي هوان!
وخلت إلى نفسها تبكي وتدفن الزفرات في صدرها، ثم تحصي الزمن وتقدر حساب الغد. لقد طال بها الانتظار ونجيب لما يعد. . ومرت بها من الماضي صورة فذكرت. . لكم كانت قاسية جبارة في معاملة كريمة وصلاح، ما أقبح الجريمة وما أعدل الجزاء! وانحدرت على خدها عبرة الندم. لقد كانت عمياء فأبصرت، واشتملها إحساس عميق بالرثاء والعطف؛ كيف لم تدرك من قبل سوء ما كانت تصنع؟ إنه ذنب الصغيرين، ستكفّر عنه حين تعود، ولكن. . . هل تعود؟
وتركت كبرياءها في الغرفة وخرجت تحدث أخاها:
- إبراهيم، ألم يقابلك نجيب؟
- بلى.
- انه لم يحضر!
- أعرف ذلك!
- وهل تعرف السبب؟
- السبب؟!
وتركها مطأطئة الرأس تبكي في حسرة وندم ومذلة، وراح يخفي علائم الظفر تبدو في أساريره؛ لقد أفلحت الخطة ونجح العلاج.
وحين عاد في المساء كانت زينب لا تزال تبكي. لقد غلت القدر وتوشك أن تنفجر؛