وكان الأصمعي مع تحامله على المحدثين وشعرهم معتدلاً في عصبيته للشعر الجاهلي، كان يحب الجيد منه، وينقد الرديء، عاب امرأ القيس في قوله في وصف الفرس:
وأركب في الروع خيفانة ... كسا وجهها سعف منتشر
والخيفانة في الأصل هي الجرادة وتشبه بها الفرس في الخفة،
قال الأصمعي: شبه شعر الناصية بسعف النخلة، والشعر إذا غطى العين لم يكن الفرس كريماً، كما عاب غير امرئ القيس من الشعراء. وكان يقول: ختم الشعر بالرماح، وهو شاعر أموي مشهور.
٦ - وفي القرن الثالث الهجري نجد النقاد في موقفهم من الشعر الجاهلي طائفتين:
فطائفة تعجب بالجاهليين وشعرهم إعجاباً شديداً، ولا ترى الشعر إلا لهم، ومن هؤلاء ابن الأعرابي م ٢٣١هـ، وكان يزري بأشعار المحدثين ويشيد بشعر القدماء. وكان يعيب شعر أبي نؤاس وأبي تمام، ويقول: ختم الشعر بابن هرمة. وقال في بشار، والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير من الشعراء. ومنهم إسحاق الموصلي م ٢٤٠هـ، وكان في كل أحواله ينصر الأوائل، وكان شديد العصبية لهم، وكان لا يعتد ببشار. ولم يكن موقفه قاصراً على الشعر وحده، بل كان كذلك في الغناء، كان يتعصب للغناء القديم، وينكر تغييره ويعظم الأقدام عليه. ومثل التعصب للقديم موجود في الآداب الأوربية، فقد كان هوارس الشاعر الروماني يرى أن شعراء اليونان هم النماذج الذي يجب أن تدرس ليلاً ونهاراً، فإن الشعر يجب أن ينظم كما كانوا ينظمونه. وأعتذر البقلاني عنهم بأنهم إنما كانوا يميلون إلى الذي يجمع الغريب والمعاني. وأعتذر ابن رشيق عنهم بحاجتهم إلى الشاهد والمثل وقلة ثقتهم بما يأتي به المولدون. ولكن الجرجاني في الوساطة يذكر أن ذلك أثر لتعصب علماء اللغة ورواتها للشعر القديم، وإنكارهم لفضل المحدثين وشعرهم. (٤٩و٥٠ وساطة ط بيروت)
وطائفة أخرى من النقاد حكموا الذوق الأدبي والطبع وحده في الشعر، وحكموا بالفضل لمن يستحقه. جاهلياً كان أو إسلامياً أو محدثاً، فلم يفضلوا الجاهليين لسبقهم في الزمن، ولم يغضوا من شأن المحدثين لتأخر عصرهم. ومن هؤلاء: الجاحظ م ٢٥٥هـ وأبن قتيبة