للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أشكو إلى علياك هما ضاق عن ... كتمانه صدري، وما هو ضيق

وطوارقاً للهم أقريها الكرى ... وتلظ بي صبحاً، فما تتفرق

وينبئه بأنه قد صمم على فراق دار الهون، ما دام الحقد عليه قد وجد سبيله إلى قلوب ذوي قرباه، فيقول له:

دعني وقطع الأرض دون معاشر ... كل ذي لغير جرم محنق

تغلي على صدورهم من غيظهم ... فتكاد من غيظ علي تحرق

أعيا على رضاهم، فيئست من ... إدراكه، ما النجم شيء يلحق

قد افسدوا عيشي علي وعيشهم ... فأما الشقي بهم، وأيضاً شقوا

فضل الأقارب برهم وحنوهم ... فإذا جفوني فالأباعد أرفق

وكان أسامة راضياً عن نفسه بهذا الارتحال، الذي نأى به عن الضيم، وبعد به عن أن يسام الخسف والهوان، واستقبل بعده عن وطنه، راضياً به، ما دام ذلك في سبيل احتفاظه بأنفته وعزة نفسه:

أأسام خسفاً، ثم لا ... آبي، فلست إذا أسامة

هيهات، لا ترضى المعالي ... صاحباً يرضى اهتضامه

وألقى أسامة بنفسه في المعارك تحت لواء عماد الدين زنكي، ولم ينغص عليه مقامه يومئذ سوى وشاة أوعروا صدر أبيه عليه، فاضطر أسامة إلى أن يرسل إلى أبيه استعطافاً، يزيل به من نفسه أثر هذه الوقيعة التي لم يحدثنا التاريخ عنها شيئاً، فكتب أسامة إليه:

يا ويح قلبي من شوق يقلقله ... إلى لقائك ماذا من نواك لقي

وناظر قرحت أجفانه أسفاً ... عليك في لجة من دمعه غرق

وبعد ما بي، فإشفاقي يهددني ... بشوب رأيك بالتكدير والرنق

وأن قلبك قد رانت عليه من الس ... واشين بي جفوة يهماء كالغسق

أما كفاهم نوى داري وبعدك عن ... عيني، وفرقة إخوان الصبا الصدق

وأنني كل يوم قطب معركة ... درية السمر والهندية الذلق

أغشي الوغى مفرداً من أسرتي وهم ... هم إذا الخيل خاضعت لجة العلق

وموضعي منك لا تسمو الوشاة له ... ولا لغيره كيسي، ولا حمقي

<<  <  ج:
ص:  >  >>