وكان موقفه من دمشق حين نبت به، كموقفه من وطنه الأول، فارقها غير راض باحتمال الهوان، برغم ما ألمسه في شعره من حب لمعين الدين، يقول له:
ولست آسي على الترحال من بلد ... شهب البزاة سواء فيه والرخم
تعلقت بحبال الشمس منه يدي ... ثم انثنت وهي صفر ملؤها ندم
أما حياته بمصر، فقد مر عليه بها من تقلبات الزمان، وعبر الأيام، وتنقل الملك والسلطان، وأصح أن يقول معه:
خمسون من عمري مضت لم أتعظ ... فيها، كأني كنت عنها غائباً
وأنت علي بمصر عشر بعدها ... كانت عظاه كلها وتجارباً
شاهدت من لعب الزمان بأهله ... وتقلب الدنيا الرقوب عجائباً
ولعل الأزمات السياسية التي مرت به في مصر، كانت تملأ صدره بالهم حيناً، والنقمة على الزمن الذي دفع به إلى مصر، فيقول:
يا مصر، ما درت في وهمي ولا خلدي ... ولا أجالتك خلواتي بأفكاري
ما أنت أول أرض مس تربتها ... جسمي، ولا فيك أوطاني وأوطاري
لكن إذا حمت الأقدار كان لها ... قوى تؤلف بين الماء والنار
ولكن أسامة برغم هذه الأزمات التي كانت تدفعه حيناً إلى الثورة، والتي لابد أن تلم بمن يخوض لجة السياسة وجد في مصر ما كان يصبو إليه من مال ومجد، كان شديد الأسف عليه، حين أفلت من يده، تحس بذلك في قوله:
نلت في مصر كل ما يرتجي الأمل من رفعة، ومال، وجاه
فاستردت ما خولتني، وما أسرع نقص الأمور عند التباهي
كنت فيه كأنني في منام ... زال منه سر عند انتباهي
فلا جرم، كان شديد الحنين إلى مصر، بعد أن فارقها، وكان يتمنى أن يلبي دعوات الملك الصالح التي وجهها إليه مرة بعد أخرى يدعوه فيها إلى العودة والعيش معه. وهنا يحسن بي أن أقف قليلاً أبين رأي الملك الصالح فيما اتهم به أسامة من المشاركة في قتل الظافر، فالصالح يبرئ أسامة براءة تامة من هذا الإثم، ويراه نقي الصفحة، طاهر اليدين، وها هو ذا يرسل إلى أسامة، يدعوه إلى مصر، ويحدثه عن الوزير عباس الذي قتل ابنه نصر