خروج إلى غير الموضوع، ولو كان في فصل منعزل عن الأول، وهذا ليس من الشعر في أصله، بل هو تابع للأذواق ولطريقة الشاعر في شعره، ولا ينوع الشاعر المبرز في العربية الموضوع في كل قصيدة، فكثيراً ما يحصر شعره في القصيدة الواحدة في موضوع واحد، وإذا نوع الموضوع فهو يخرج إلى الثاني بمناسبة وبعد فصله الأول، مريداً بذلك أن تكون قصيدته كالروضة الغناء محتوية على مختلف الأزهار، وهذا أقرب إلى الطبيعة، وليس فيه ما يؤاخذ عليه غير كونه ينافي ما يفعله شعراء الغرب، ولكل أمة سياق ونزعة ليست لأختها، وأعتقد أن الكتاب الذين يزرون بشعر شعرائنا على الإطلاق لو أتيح لهم أن يكونوا شعراء لما خرجوا كثيراً عن النهج الذي يمشي عليه المبرزون من هؤلاء، والسبب هو ما قدمته من اختلاف ألوان الشعور عندنا عن ألوانه عند الغربيين، من جهة وقيد القافية وإعرابها عندنا وفقد أنه عندهم من جهة أخرى، وقد هم كثير من الشعراء المتضلعين من العلوم العصرية بتقليد الغرب في شعره، فلم يكن ما أتوا به غربياً ولا شرقياً، ولم يوفقوا إلا في ألوان من الشعور هي مشتركة بين الأمم جميعاً. ومهما تمرد الشاعر الكبير على الأساليب والتصورات في أمته فهو لا يستطيع أن يطفر مرة واحدة إلى تصورات وأساليب تخالف ما ألفه شعبه فيقطع الوشائج القوية التي تربط الحال بالماضي.
٢ - ويعيب العقاد الشعر الجاهلي ثانياً بأنه لم يكن فناً استقل به صناعة الخبيرون به، وذلك لا يسير مع الحقيقة والواقع، فشعراء المعلقات ومذاهبهم الفنية في الشعر معروفة. ويقول الدكتور طه حسين بك في كتابه الأدب الجاهلي: وأما مضر فكان لها في الجاهلية شعراء يتخذون الشعر فناً يمثلون به نهضة فنية عقلية في هذا الإقليم من جزيرة العرب.
٣ - ويعيبه ثالثاً بهلهلة صياغته وما فيه من عيوب عروضية وتكرير ساذج وتجوز معيب. وفي هذا مغالاة.
وكانت ثورة النقد الكبرى بين الدكتور طه حسين بك وبعض النقاد والباحثين حول الشعر الجاهلي ذات صدى بعيد في دراسات الشعر الجاهلي. ويؤيد الدكتور هذا الانتحال بأدلة كثيرة: فضلاً عن أنه لا يمثل اللغة الجاهلية نفسها لاختلاف اللغة الحميرية عن اللغة العدنانية الفصحى مع أنهم لم يكونوا يتكلمون بها ولم يتخذها لغة أدبية لهم قبل الإسلام مما يدل على انتحال هذا الشعر على هؤلاء القحطانيين، فوق أن الشعر الجاهلي لا يصور