- ٦ -
ومن أكبر هؤلاء الذين اتصل بهم أسامة الملك الصالح طلائع بين رزبك، ودار بين الاثنين كثير من المراسلات التي تفصح عن ود مكين بين قلبيهما، وإعجاب كل بصاحبه أكبر الإعجاب، فمضت قصائد الصالح إلى أسامة تدعوه إلى مصر حيناً، وتعتب عليه إيثاره البعد عنها حيناً آخر، وتأخذ عليه أحياناً أنه مقل في رسائله، لا يوالي بعث كتبه، وكثيراً ما حدثه الصالح عما قام به من حروب مع الفرنج، ويطلب منه أن يكون وسيلته إلى نور الدين، كي يجتمعا معاً على حرب الصليبيين، وقد شارك الصالح أسامة فيما نزل به من أحاث قاسية في حياته، وكان الصالح معجباً بمواهب أسامة في الحرب والسلم، ويرى فيه محارباً شجاعاً، وشاعراً مفلقاً، وخطيباً بارعاً، وحكيماً في إبداء الرأي صائباً، ويقول له:
وجهاد العدو بالفعل والقو ... ل على كل مسلم مكتوب
ولك الرتبة العلية في الأمرين ... مذ كنت إذ تشب حروب
أنت فيها الشجاع مالك في الطعن ... ولا في الضراب يوماً ضريب
وإذا ما حرضت فالشاعر المفلق ... فيما تقوله ولخطيب
وإذا ما أشرت فالحزم لا ينكر ... أن التدبير منك مصيب
لك رأي مذ قط إن ضعف الري ... على حاملي الصليب صليب
وهو لذلك يراه من يحمل عبء الرسالة إلى نور الدين، يحرضه على أن يجتمعا معاً على حرب الصليبيين في وقت واحد، حتى تشتت وحدتهم، ولا يستطيعوا الحرب في الجهتين، وذلك كان رأي الملك الصالح. يجهز الاثنان جيشيهما، ويسيران معاً في وقت واحد إلى أرض العدو، وطلب من أسامة أن يبلغ ذلك الرأي إلى نور الدين إذ قال له:
فانهض الآن مسرعاً، فبأمثا ... لك ما زال يدرك المطلوب
والق عنا رسالة عند نور الدين ... ما في إلقائها ما يريب
قصدنا أن يكون منا منكم ... أجل في سيرنا مضروب
فلدينا من العساكر ما ضا ... ق بأدناهم الفضاء الرحيب
وعلينا أن يستهل على الشام ... مكان الغيوث، مال صبيب
فهو يعد هنا بالجيوش والمال، ويرى أن اجتماعهما معاً على حرب العدو كفيل بأن يلقي