يلاحظوا تطور أسلوب الكاتب على إدمان الجهد وكر السنين، ومن الابتذال إلى السمو، ومن السهولة إلى هذا الجمود العقلي أن الناس قد اعتقدوا في كا كاتب من كتابنا وزعيم من زعمائنا، رأياً لا يتحولون عنه ولا يغيرون منه. فلو كان عندنا نقد يجاري التطور، ولنا رأي يساير النهوض، لحكمنا على الكاتب بالقول ما يقول، وعلى الزعيم بآخر ما يعمل. ويظهر أن الأستاذ الناقد يخلط بين السهولة والابتذال فإن السهولة من الصفات الجوهرية للبلاغة، ولا يعيبها على الكاتب إلا جلف بالطبع أو متقعر بالصنعة.
هذا ما عقبت به (الرسالة) على طريقة الأستاذ الأهواني في النقد، ولعل الأستاذ عبد الغني حسن يوافقنا على أن هذه الكلمة الموجزة تغنينا وتغنيه عن كل تفسير وتعقيب. . أما نحن فنوافق الأستاذ الفاضل على قوله بأن تعرضنا لنقد الدكتور الأهواني مسألة من حقه أن يدافع فيها عن نفسه، هذا الحق وما زلنا على استعداد لمناقشة الدكتور فيما كتب، وبيننا وبينه كما قلنا موازين النقد وديوان (من نبع الحياة). ولعله لا يركن إلى الصمت المطبق طلباً للسلامة وإيثاراً للعافية.
ولقد تفضل الأستاذ عبد الغني حسن فأهدى إلينا ديوانه الجديد خشية أن يكون حكمنا على الديوان (غيابياً) كما يقول ألا يشعر الأستاذ الشاعر أنه قد اندفع بعض الشيء فأفلت منه زمام التعبير؟ إننا يا أخي لسنا من هذا الطراز من النقاد، أولئك الذين يحملون أقلامهم لينقدوا كتاباً ولم يقرئوا منه إلا فصلاً أو فصلين، أو ديواناً ولم يقفوا فيه إلا عند قصيدة أو قصيدتين. . لسنا من أولئك، وإنما نحن - في غير ما زهو أو استعلاء - أصحاب النقد الذي يعرف القواعد والأصول على خير ما تعرف القواعد والأصول. ولا بأس من أن نصفح عن هذه الزلة القلمية، نصفح عنها ما دام خلوص النية وسلامة القصد، وهذا ما يؤكد صدق الشعور في كثير من السطور.
ألا فليطمئن الأستاذ عبد الغني حسن إلى أننا أمناء على الحق حرصاء على القيم أوفياء للكرامة العقلية. . وكل هذه الأمور ستكون هي المنهج الذي نسير عليه ولا منهج سواه، هذا إذا قدر للدكتور الأهواني أن يناقشنا فيما أخذناه عليه من شطحات. ولن نتعرض لديوان الأستاذ بنقد أو تحليل إلا إذا أقنع صاحبه بأن يدافع عن نفسه، وما أكثر ما ينتظره في الطريق الوعر من عقبات!