بقيت إشارة الأستاذ الفاضل إلى كتابه (بين السطور) وما جاء بها عن طريقته في نقد الأساتذة والأصدقاء، وهي الطريقة التي تؤمن بالوفاء للأمانة القلمية قبل الوفاء للعلاقة الشخصية. نحب أن نؤكد للأستاذ عبد الغني حسن وتشهد ندوة الرسالة منذ أسابيع - أننا كنا أول المعجبين بمسلكه هذا في النقد الأدبي، يوم أن طالعنا له فصلاً من فصوله النقدية في مجلة الثقافة عن آخر كتاب أصدره الدكتور الأهواني. . . لقد كان قاسياً كل القسوة على صديقه حتى لقد نعت الكتاب بأنه لا نفع فيه ولا غناء! هذا المسلك الرائع في معاملة الأصدقاء قد دفعنا إلى الإشادة به في ندوة الرسالة أمام أناس كان من بينهم الدكتور الإهواني. . ولسنا ندري لم نسى الدكتور (الناقد) ذلك الذي قلناه في تلك الليلة تعقيباً على نقد لأستاذ عبد الغني حسن لكتابه وقد كان توجيهاً له بأن يسير في نفس الطريق! لقد صدق الأستاذ حين قال: إن الحق شيء والصداقة شيء آخر، وإن آفة النقد عندنا - على وجه العموم - أننا نميل مع الزمام لأحدهما على صاحبه. .
حول ذكرى الموسيقار باخ
(سمع بعض مئات من الناس أول أمس في كاتدرائية ستراسبورج قطعاً من موسيقى جون سباستيان باخ، أثناء الاحتفال بمرور مائتي عام على وفاة ذلك الفنان الخالد.
وقد أضيء برج الكنيسة بالأنوار وزينت جدرانها بقطع ثمينة من السجاد، واشترك في عزف الموسيقى عد كبير من فناني فرنسا واركسترا راديو ستراسبورج. وكان هذا الاجتماع حفل الافتتاح بذكرى باخ. ويطول الاحتفال بها أسبوعين كاملين)!
هذا هو الخبر الذي نقلته إلينا (الأهرام) منذ أيام. . . وهو خبر لو رحت تحصي عدد كلماته، لوجدتها، تقل عن الخمسين! ومع ذلك، فأنت لا تستطيع أن تحصي أصداءه في النفس، ولا طلاله في ثنايا الحس، ولا معانيه في أعماق الفكر، ولا رواسبه في قرار الشعور!
أسبوعان ينفقان في تخليد ذكرى. . . ذكرى انقضاء مائتي عام على وفاة فنان. إن القوم هناك لا ينسون الفن، ولا يجحدون الفضل، ولا يشغلون على التهجد في محراب الذكريات. . . كل أيامهم وفاء، وكل غاياتهم مثل، وكل لآثارهم خلود. وهكذا تجد (باخ) حياً في الضمائر، ماثلاً في الخواطر، نابضاً في القلوب. . . ولو انقضى على وفاته قرنان من