حدث فيه الإجماع رأيا يخالف الرأي المجمع عليه. والإجماع الذي ينعقد في عصر من العصور يصح الرجوع فيه بإجماع آخر في نفس العصر أو أي عصر لاحق له. ويستثنى من ذلك عصر الصحابة فلا يجوز الرجوع في إجماع حدث فيه بإجماع في عصره بعده يخالفه. ولقد تباين الرأي كذلك فيما إذا اختلف الصحابة في مسألة من المسائل فهل يصح الإجماع على رأي فريق منهم دون فريق. والمعترف به أن الصحابة ليسوا معصومين من الخطأ، وما دام الأمر كذلك فلا مانع من قبول إجماع يعارض رأي أحد الصحابة. وهناك مسألتين يجب عرضهما لتعرف قوة الإجماع في التشريع، فإنه يفهم مما تقدم أن الإجماع لا ينعقد إلا بجمع عدد كبير من المجتهدين على مسألة من المسائل؛ غير أن الفقهاء يرجحون أن يكون أقل عدد للإجماع ثلاثة لأنهم أقل الجماعة، فإذا لم يكن هناك مجتهدون غيرهم تحقق الإجماع باتفاقهم. وهناك رأي يقول بأنه إذا لم يوجد غير مجتهد واحد في عصر من العصور يتحقق الإجماع باجتهاده وحده.
ولننتقل الآن إلى السند الذي يقوم عليه الإجماع على قول الأئمة الأربعة. يقوم الإجماع على الكتاب أو السنة أو القياس ويقول المعتزلة بأنه لا يصح أن يكون الإجماع مبيناً على حديث الآحاد أو على القياس، وزادوا على ذلك أن سند الإجماع يجب أن يكون قاطعاً يعني أن حكمه لا رجعة فيه.
نرى ما تقدم أنه من الخطأ القول بأن الإجماع أصل مستقل من غيره من أصول الإسلام. فالإجماع حقيقة هو اجتهاد الذي وافق عليه جميع مجتهدي العصر الواحد أو غالبيتهم. ومن المتفق عليه أنه فيما عدا إجماع الصحابة يجوز الرجوع في إجماع مجتهدي العصر الواحد بإجماع غيره في عصر آخر. والواقع أنه كان من العسير إجماع المسلمين بعد عصر الصحابة حيث انتشر المسلمون في أقطار الأرض ولم يتيسر عملياً إشغالهم جميعاً في وقت واحد لبحث مسألة من المسائل وتقرير حكم فبها. كما أن الأمر لا يستلزم إشغال مجتهدي القطر الواحد كلهم في وقت واحد لبحث هذه المسألة. ونحن لا ننكر قوة إجماع كل المجتهدين أو غالبيتهم في مسألة من المسائل على اجتهاد مجتهد واحد. غير أن هذا لا يمنع أنهم غير معصومين ويمكن الرجوع في أحكامهم. والإجماع في الواقع لم يخرج عن كونه اجتهاداً بمعنى أعم شأنه شأن الاجتهاد في إمكان الرجوع في أحكامه في أي وقت من