وأقول أن من ينتبه إلى ما قيد به الصوفية أنفسهم وحرموا عليها ما أباحه الشرع الشريف من أطايب الطعام والشراب استصوب حمل (كلوا) على الأمر الإيجابي لهؤلاء الذين ضلوا عن سواء السبيل وتتكبوا نهج الطريق وكأنهم تأثروا بما نقل إلى اللغة العربية من إنكار الوثنيين من اليونان كالكلبيين أو من أديان الأمم غير المسلمة كالبراهمة من الهنود ثم حوروا تلك الفلسفات وفق تعاليم الإسلام وحوروا الإسلام فقها فنشأت ضلالات الصوفية وأباطيلهم وضاع جمال الإسلام شريعة العمران العملية. ومن وجهة ثانية لقد نهى الإسلام أن نندفع وراء الملذات اندفاعاً أعمى فقد تقودنا إلى المهالك. ونبراس ذلك الآيات الكريمة (ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى)(افرأيت من اتخذ إله هواه)
قال الطريحي في مجمع البحرين أي ما تميل إليه نفسه والهوى مصدر هويه إذا أحبه واشتهاه ثم سمي به الهوى أي الشيء المشتهي محموداً أو مذموماً. ثم غلب على غير المحمود وقيل فلان أتبع هواه إذا أريد ذمه سمي بذلك لأنه يهوى بصاحبه في الدنيا إلى كل داهية وفي الآخرة إلى الهاوية أي جهنم قال تعالى (وأما من خفت موازينه فأمه هاوية) قيل هاوية من أسماء جهنم وكأنها النار العميقة يهوى أهل النار فيها مهوى بعيداً أي فمأواه النار. (وان كثيراً ليضلون بأهوائهم) أي باتباع أهوائهم وقال تعالى (أو كالذي استهوته الشياطين في الأرض)
فهذه الآيات صريحة في التحذير من الانجراف بتيار الأهواء والشهوات وأتباع خطوات شيطان العاطفة الحمقاء حيث تهوي بالإنسان إلى مصرع السوء ويلقى في النهاية جهنم عذاب الخطيئة وسوء مغبة الأجرام وعاقبته. وكما قدمنا إن الجرائم مبعثها الانصياع لرغبة الأهواء والشهوات الجامحة التي حذرنا الإسلام من موبقاتها وأنب الكارعين من أقذار حمأنها ولقد حاول الإسلام أن يدربنا بالصوم على عصيان الهوى وطاعة العقل، وكأن الإسلام حاول أن يكبح بالصوم جماح النفس ويصدمها ويعاكس أهواءها فهو بدلا من أن يساير فلسفة هؤلاء المعذبين أنفسهم ويتبعها على طول الخط - خصص فترة من الزمن لحرمان النفس من أهوائها وتصبيرها على المكاره وخشونة العيش، وعلم المرء كيف يقاومها ويجر لجامها وينهرها ويصرخ في وجهها، فكأنه تمشي مع مبدأ الأستاذ (جيمس) القائل بأنه يجب أن نحافظ على قوة مقاومة المصائب إذا حان حينها - بل الحق إن هذا