المفكر الغربي هو الذي أقتبس فلسفته من الإسلام أخذها من حكمة الصوم؛ فأوريا مدينة للإسلام في يقظتها ورشدها وهدايتها ومنه أخذت النور والحضارة، وفلاسفتها تلاميذ على فلاسفة الإسلام كابن رشد والفارابي وأبن سينا ونصير أبن الطوسي وغيرهم.
وكيفما كان الأمر فإن الإسلام الذي حاول بالصوم تعليم أتباعه ضبط النفس لم يقصد بذلك القضاء على الرغبات والشهوات كما ظن الضالون من الصوفية فقد صرخ الإسلام بمتبعه (ولا تنس نصيبك من الدنيا) وإنما أراد وحاول تهذيبها واعتدالها وجعلها خاضعة لحكم العقل، ففي القضاء على الشهوات قضاء على الشخص وعلى النوع الإنساني وفي اعتدالها سعادتهما معاً.
وعلى كل حال إننا بالصوم نتعلم احتمال مكاره الحياة ومشاقها وجوعها وعطشها وحرمانها، ولم يقصد بهذه العبادة أن نضل ونفرط في تعذيب النفس بالجوع بل دعا الإسلام أن نكون أمة وسطا؛ ففي الوقت الذي أباح لنا التمتع بنعم الله وطيبات الرزق أراد أيضاً أن نواسي الفقراء والمعوزين واليتامى والمنبوذين في جوعهم وآلامهم ليشعر الأغنياء بما يلاقي البؤساء من مضض الحياة المرة وقسوة أحكامها الصارمة أحياناً على الفقراء والأرامل. وقد كان الإمام علي (ع) يكرر طلب ذلك من المسلمين في خطبه في جامع الكوفة ويستشهد بقول الشاعر
وحسبك داء أن تنام ببطنة ... وحولك أكباد تحن إلى القد
والقد هو سير يقد من جلد غير مدبوغ وهذا كناية عن فرط جوعهم حتى أنهم ليشتهون ويحنون إلى أكل الجلد اليابس. لقد حاول الإسلام أن يجيع الأغنياء ليذكرهم بجياع الفقراء واليتامى المعوزين حتى يواسوهم، وبذلك يزرعون في قلوبهم حبهم والميل إليهم فلا تبقى هذه النفرة بين الطبقات وتنفي وتنعدم أسباب الثورات الشيوعية كما حدثت ثورة القرامطة مؤلفة من الزنوج الذين كان يرهقهم أسيادهم، وقد حض السلام على إطعام الفقراء قال. الطبرسي في تفسير الآية الكريمة (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) خير الله المطيقين للصوم من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا، وبين أن يفطروا ويكفروا عن كل يوم بإطعام مسكين لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم ثم نسخ بقوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه. هذا مضافا إلى ما أمر به الإسلام من الصدقات.