لقد حاول الإسلام أن يعيش الناس أخوانا، ودعانا إلى أن نتجرع نكد العيش اختباراً حكماً نافذاً على الجميع من دون تفريق إلا بالمرض والضعف، وأن نذوق بؤس الحياة بالصوم اختباراً حتى لا يصرعنا إذا حملناه كرها؛ ولكنه اشترط لصحة الصوم أن لايؤذي صاحبه لمرض فيه ولا يهدم بنيته بآثاره، فنهى أن يتجرع كأس الصوم المرضى والمسافرون الذين تكفيهم غربتهم في أتعابهم وترويض أنفسهم على مشاق الحياة وجشوبة العيش وخشونته ونبراس ذلك الآية الكريمة:
(شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان؛ فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) ولابد أن تستجلي رأي الطب الحديث في الصوم. . . لقد أجرى العلماء تجارب عديدة على الحيوانات لمعرفة تأثير الصوم فيها. وقد ذكرت تلك التجارب في كتب الفسلجة والكيمياء الحيوية المطولة. ويتلخص رأي الطب الحديث في أنه يرى الصوم واسطة لإراحة الجهاز الهضمي وإذابة الشحوم الزائدة في البدن، إذ أن الجسم يستهلكها عند انقطاع الزاد الخارجي - في توليد الطاقة الحرارية، وإذن فإن الجسم يستريح من الشحم الزائد ويكتسب البدن رشاقة الغزال الأهيف وخفة حركاته. وكذلك فإن جسم الصائم يسطو على ما اختزن من السكريات فيستهلكها. والجوع يرهف الحواس؛ ألا ترى أن الوحوش تضري إذا جاعت وتستيقظ قواها الحيوية للافتراس وخوض معارك الحياة؟ والأمم تنهض للفتح والغلبة ونهب خيرات غيرها إذا شحت أرزاقها فجاعت. ونرى قبائل البدو في الصحراء الغربية تشن غاراتها غازية من تتوفر في يدها الأنعام إذا أجدبت البادية. ولقد قامت القبائل العربية بأكبر غزو عندما جمع شملها تحت لواء الدعوة الإسلامية - فدكت إمبراطورتي فارس وروما وبسطت جيوشها على القسم المعمور من الأرض في فترة وجيزة، وعبرت من أفريقيا البحر إلى أوربا فاستولت على أسبانيا وتوغلت في فرنسا وحكمت نصف إيطاليا الجنوبي واستولت على ممرات جبال الألب وشنت غاراتها على أواسط أوربا في سويسرا - هذا في الميدان الغربي - أما في الشرق فقد ضربت حدود الصين وأخضع العرب أهم أمم آسيا وبسطوا نفوذهم على القسم المعمور المتمدن منها ومن شمالي أفريقيا. ولو دققنا النظر لوجدنا أن العامل البيولوجي الذي حفز