الذي نضطرب فيه، لا يهيئان لنا أن نتحدث عن أنفسنا حديث الصراحة السافرة التي تعني بإبراز المحاسن والمآثر عنايتها بإبراز المساوئ والعيوب. . . وليس من شك في أن الأستاذ السنوسي يلتمس لنا بعض العذر إذ قلنا له إن الحديث عن النفس شيء عسير، ولا نقول شيء بغيض كما يحلو لبعض المتجرين بالتواضع أن يصفوه! عسير لأن المجتمع الذي نتنفس في رحابه سيتهمنا إذا نحن أنصفنا أنفسنا فذكرنا منها الجانب المضئ، وسيتهمنا مرة أخرى إذا ما عرضناها في صورتها الحقيقية وهي في كنف الظلام. . .
نحن إذن معشر الأدباء متهمون في كلا الحالين، ولكن الأمر يختلف كل الاختلاف إذا ما كتب عنا الآخرون لأنهم في نظر المتجمع قضاة محايدون. هذا إذا قدر لهم أن يطلعوا على ما خفي وما ظهر في حياة المنقودين من شتى الميول والنزعات! لو كنا في بيئة غير البيئة ومجتمع غير المجتمع لتحدثنا عن أنفسنا حديث الفن لا يخشون لومة لائم ولا اتهام متهم، ولا جناية جان على حقيقة الطبائع النفسية كما فطرها الله وكما قدر لها أن تكون. . . ولكننا بهذه الأوضاع الاجتماعية في الشرق لا نستطيع، وإذا أتيح لنا أن نتحدث إلى الغير عن حياتنا الذاتية بجوانبها المشرقة والمظلمة، فهي الإتاحة التي تدفعنا إلى ذكر بعض الحق والتستر على البعض الآخر، وحياة كهذه يحال بيننا وبين التحدث عنها بكل الحق هي في رأينا حياة لا يطمئن إليها الدارسون! إننا نبغي من وراء الدراسة النفسية لحياة أديب من الأدباء أن نضع أيدينا على مفتاح شخصيته الإنسانية، ورب حادث تافه يتحرج الكاتب من ذكره فيدفع إلى حذفه من تاريخ حياته؛ رب حادث كهذا يقدم إلينا المفتاح الحقيقي لشخصيته حين يكتب في بضعة أسطر فلا تغني عنه مئات الحوادث في ألوف من الصفحات!
إن الحياة النفسية إذا أريد لها أن تعرض فلتكن في صراحة (الاعترافات) لروسو وجرأة (اليوميات) لأندريه جيد. . . ونقتطف هنا بعض ما قلناه من الاعترافات واليوميات نقلا عن مقال كتبناه للرسالة منذ سنتين، وكان عنوانه (دفاع عن الأدب): (الاعترافات واليوميات صورة واقعية لفترة من حياة الكاتبين الكبيرين، تعد في حقيقتها لوناً من الترجمة الذاتية التي تضع في يد القارئ والناقد مفتاح شخصيتهما الأدبية والإنسانية. . . وحسبك أن كتاب الاعترافات يقدمون إلى الناس صفحات من سجل الحياة سطرت بمداد الصراحة