والأمانة والصدق؛ صفحات عارية لا تكاد تتشح بغلالة واحدة من غلائل النفاق الاجتماعي وتملق عواطف الجماهير ولعمري إن الكاتب الذي يعرض أمام الناس فترة من فترات حياته بما حفلت من خير وشر، من فضيلة ورذيلة، من لذة وألم دون أن يخشى في ذلك نقداً أو لوماً أو زلزلة لمكانته الأدبية والاجتماعية، هذا الكاتب في رأينا ورأي الحق رجل قوي جدير باحترام الأقوياء. إن هناك كتاباً يتظاهرون بحب الخير والتمسك بأهداب الفضيلة وهم غارقون في حمأة الموبقات، فهل نستطيع أن نصف أدبهم بأنهأدبقوة؟ كلا. . . ولا نستطيع أن نرفع من قيمة هذا الأدب إذا ما قسناه بمقياس الفن الصادق، مقياس صدق التعبير عن الحياة، لأنه أدب يعبث بالحقائق ويشوه الوقائع ويكذب على الحياة والناس إن أندرية جيد لو لم يكن متأثراً في كتاباته بفيلسوف القوة نيتشه لما تهيأ له أن يتناول قلمه ليكتب ما كتب في اليوميات)
هذه فقرات مما جاء بمقالنا الذي كتبناه منذ سنتين عن روسو وأندريه جيد. ولا ينتظر الأستاذ السنوسي من أي كاتب في الشرق أن يتحدث عن نفسه بكل الحق كما فعل الكاتبان الفرنسيان، وليس كحديثهما حديث يرتجي منه صدق التعبير عن عالم النفس وأمانة النقل عن واقع الحياة.
بين ثقافة المدرسة وثقافة الحياة:
أنا من عشاق الأدب وقراء الرسالة ومشكلتي هي مشكلة الكثيرين ممن حال الفقر بينهم وبين مواصلة التعليم مات والدي وأنا طالب بالمدارس الابتدائية، ولم يترك لي من المال ما يعيني عل طلب العلم حتى النهاية. وحين حصلت على الشهادة الابتدائية بعد جهد عنيف حيال الظروف القاسية، لم أستطع أن أنظر إلى أكثر من هذا الذي حصلت عليه، لأنني كنت موزع الفكر بين واجبين: أولهماأن والدي ترك لي والدة وشقيقات ليس هناك من يكفلهن غيري، وثانيهما رغبتي في إتمام مرحلة التعليم شفغاً بالثقافة والمعرفة. ولم أجد بدا من الخضوع للواجب الأول نزولاً على حكم العاطفة ونداء الضمير، وكان أن التحقت بإحدى الوظائف الحكومية بمرتب ولو أنه ضئيل، إلا أنه يوفر لنا حياة تبعد عنا شبح الفاقة والحرمان.
واليوم وقد حالت الظروف المادية بيني وبي طلب العلم في المدرسة، فقد رأيت أن أطلبه