للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الجميع) ووافقه صديقه ورفيقه الخطر (كامي دي مولان) ومن ثمت تألف حزب المتسامحين أو (المعتدلين) منهما وممن لف لفهما ودار في فلكهما.

وقام في وجه هذا الحزب حزب آخر هو حزب (المسعورين) الذين لم يشبع سعارهم هذا العدد الهائل من الاغتيالات، فأعلنوا عن تنظيمات جديدة للإرهاب وبدأ يقوضون المذهب الكاثوليكي تحت معاول النظرات الفلسفية وقلبوا كل شيء رأساً على عقب؛ حتى الأيام والأسابيع وأسماء القديسين والقديسات استبدلوا بها أسماء الفواكه والزهور والخضروات المذكورة في الأعياد الدينية، وقرروا أن كل من يتسول أو يتعطل في أيام الآحاد والأعياد المسيحية يكون مآله السجن، وطالبوا بخفض أبراج الكنائس لأنها (تتعارض مع مبادئ المساواة إذ تتعالى على سائر المباني) وهددوا كل عبادة ليبنوا على أنقاضها (دين العقل)

وفي ١٠ نوفمبر احتفلوا بعيد (الحرية والعقل) بكنيسة نتردام ورمزوا لدينهم الجديد بإحدى راقصات الأبرا وعملوا لها تمثال (مريم العذراء) ولم تنقض أيام حتى أغلقت كل الكنائس وطرد القساوسة الذين رفضوا اعتناق دين الثورة وعقيدة الإرهاب

غير أن لجنة الأمن العام أخذت في مطاردة المسعورين في الأقاليم بلا هوادة، وأطلق دانتون على خزعبلاتهم هذه أسم (مساخر لا دينية) وتدخل الطاغية الجبار (روبسبيير) ليضع لهذه المساخر حداً إذ رأى الخطر محدقاً بالمجتمع من جرائها فما كان منه إلا أن شجع (المعتدلين) على التكتل ضد (المسعورين) وإن كان لا يزال ينطوي على أشد انفعالات المقت والحقد لكمي دي مولان. فهو الذي يقلل من انتشار صيته وذيوع إسمه؛ وهو الذي جرح كبرياءه وغروره، وهو الذي يقف حجر عثرة في طريق مطامحه السرية.

لهذا عزم على هدم الحزبين معاً، فلما كان يوم ٥ أبريل كانت المقصلة قد أطاحت برأس دانتون، فلم يعد أمام روبسبير من يكبح جماحه، ويصد طاغوته.

ومضى الإرهاب قدماً لا يلوى على شيء ليصل إلى غايته المرسومة له منذ كان وهي خنق آخر ملك بأمعاء آخر قسيس.

ومن العجيب العاجب أنهم كانوا يرون في الإرهاب نظاماً يمهد لعهد (الفضيلة) أما المقصلة كما يقول (أولار) فقد استخدمت من أجل تصليح النفوس وعاد هذا النظام المزعوم على (روبسبير) بفائدة مزدوجة إذ تخلص من كل من يقلق باله ويعكر صفوه، كما أنه أصبح

<<  <  ج:
ص:  >  >>