ويبدو أنه كان فطنا كيسا، ولبقا مؤنسا، عنده من بضائع الإيناس ألف صنف وصنف. ولهذا استطاع أن يحكم صلته ببعض الأمراء ويسبق إلى رحابهم ويمدحهم بقصائده ويصف مروءتهم وشجاعتهم وحروبهم. وممن مدحه منهم الأمير سعد الدين بشير الجمدار، والأتابكي كمجك والمفر السيفي يلبغا الناصري مملوك السلطان حسن، الأثير عنده وقد قال أبن أبي حجلة من قصيدة يمدح بها المملوك المذكور يصف بها شجاعته في حروب أعدائه:
أمير جيش غدت في كل نازلة ... لقومه في رؤوس القوم نزلات
ساقت عزائمه سحب الجيوش لهم ... وبريقها سيفه والرعد كوسات
لخيله وأعاديه إذا برزوا ... في موقف الحرب كرات وفرات
خليل إذا قرنت آذانها وظهرت ... لنصر راكبها منها قرانات
كم صح من يلبغا جبر لقاصده ... لكن لجيش الأعادي منه كسرات
وقد حظي ابن أبي حجلة - في هذا الزمان المستعجم - لدن سلطان عصره الناصر حسن حفيد قلاوون وقد كان ابن أبي حجلة أكثر من كتاب. ومن بين ما ألفه له كتابه المشهور (ديوان الصبابة) وأشار إلى ذلك بقوله في سباق قصيدة مدح بها.
ولي فيه من غر التصانيف خمسة ... وهذا الذي طوق الحمامة عاشره
وقد كنى بالشطر الثاني من البيت عن كتابه (ديوان الصبابة) إذا أن الباب العاشر منه هو باب طوق الحمامة. وهذا الكتاب في أخبار العشاق ومصارعهم وما جرى لهم من أحاديث وأشعار. وقد أحدث هذا الكتاب ضجة في بلاد الأندلس وألف لسان الدين بن الخطيب كتابا على غراره جعله في الحب الإلهي وقد سلك فيه مسالك الصوفية فزلق في بعض عياراته بما حوسب عليه حسابا عسيرا.
ويمتاز ابن أبي حجلة بحسن ابتكاره لموضوعات مؤلفاته وطرائقها، وابتكار الموضوعات، فن دقيق من فنون التأليف تتغاير فيه الخواطر، وله خطره وأثره، إذ هو الموجه للمؤلف من بعد، والموحي إليه بتشتيت أفكاره، ومختلف تصوراته، ومسالك عباراته
انظر إلى ابن أبي حجلة، وقد فطن إلى العدد (سبعة). . . فوضع فيه سفرا قيما أهداه إلى السلطان حسن وسماه (سكردان السلطان). . فكان من جملة ما ألف له.
وسكردان معناه (وعاء السكر) والكتاب - حقا - لذيذ ممتع. وموضوعة - كما نوهنا - هو