للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معروف لا يشك أحد في وجوده وانه ناظم هذه الملحمة الرائعة، على حين يكثر خلاف المؤرخين في الإلياذة وناظمها، وعلى حين أن المهابهاراتا والرمايانا نظم شعراء عديدين بعضهم مجهول

فالشاهنامه سجل تاريخ أمة وأساطيرها منذ أقدم عصورها، وهذا لا يعرف في منظومة أخرى

لم يكن الفردوسي مخترع هذا الحادثات بل كان مصورها، فقد نظم الرجل ما ادخرته الروايات، ولم يكن حراً في الذهاب مع خياله كيف يشاء. ودليل هذا في الكتب الأخرى ولا سيما كتاب الثعالبي (غرر أخبار ملوك الفرس وسيرهم) وهو أقرب الكتب إلى الشاهنامة، وقد عاصر الثعالبي الفردوسي وقدم كتابه للأمير نصر أخي السلطان محمود الغزنوي الذي قدمت إليه الشاهنامة

وهذا يزيد في قيمة الكتاب ويجعله مرآة تاريخ الأمة وأفكارها، لا صورة من خيال الشاعر وأوهامه. وهذا أيضا يزيد في قدر الفردوسي، فعسير جداً أن يذلل الشاعر هذه الأكداس من الحوادث للنظم السلس المتين، ويكلف نفسه السير في حزنها وسهلها، لا يتخير الأيسر والأسهل من موضوعات النظم

لو كانت الشاهنامة قصصا منثورة من روعة الشعر وموسيقى النظم، لكانت مع هذا جديرة بعناية الإيرانيين والأمم الشرقية، ثم عناية المؤرخين والباحثين في الأمم كلها. فكيف وقد أفرغت هذه القصص في صور شعرية رائعة، ونظم متين منسجم، يزيد المعنى جلالاً وروعة؟ كيف وهي جهد شاعر نابغة في أكثر من ثلاثين عاماً؟ لا تقتصر الشاهنامة على قصص الحادثات، ولكنها تصور الوقائع حتى يكاد القارئ يرى الفرسان في حومة الوغى، ويبصر النقع معقوداً في الآفاق، ويسمع صليل السيوف ووقع الأسنة، وصياح الأبطال وصهيل الخيل

وهذا الفردوسي وصاف الحروب لا يقصر في تصور عواطف الإنسان والإبانة عنها على لسان أبطال قصته، وهو ليس عاجزاً في قصص الحب كما ترى في قصة زال وروذابة، وقصة بيزن ومنيزه، وقصة كشتاسب وكتايون. وناهيك به رجل أخلاق لا يألو في الدعاء إلى الخير والنهي عن الشر. وهو بصير بأحداث الزمان يستخرج المواعظ من وقائع

<<  <  ج:
ص:  >  >>