الكتاب، فلا يكاد يفتتح فصلاً أو يختمه إلا واعظاً بليغاً من غير الزمان
وإني أستشهد هنا أستاذاً من كبار المستشرقين درس الشاهنامة درساً بليغاً، هو الأستاذ نلدكه الألماني قال:
(إن الفردوسي شاعر مطبوع، يستولي على فكر القارئ، ويحيى القصة التافهة بإنطاق الممثلين أمامنا، بل كثيراً ما تضيع الحركات في جلال الأقوال. وهو يفصل الحادثات فيبين أحسن إبانة عن حادثة لم يكتب عنها في الأصل الذي نظم عنه أكثر من أنها وقعت، ويبيح لنفسه أن يخلق حادثات صغيرة ليتم الوصف. وهو يعرف كيف يحيي أبطاله، بل يخرج أحياناً البطل في صورة جديدة غير التي عرفته بها الروايات، وما أقدره على تبيان ما وراء أعمال الأبطال من أسباب وأفكار. والوصف النفساني رائع جداً، ونغمة البطولة تسمع في الكتاب كله، وعظمة الزمان القديم وأبهته، وفرحه وترحه وجلاده، مصورة في أسلوب معجب، حتى ليسمع الإنسان صليل السيوف وجلبة المآدب. هو لا يبلغ في التفاصيل مبلغ هومير، ولا يستطيع مثله أن يجعل حادثة في كلمات قليلة، ولكنه مع هذا يمضي قدماً إلى غايته حين يصف الوقائع، وإن يكن في الخطب والرسائل مكثاراً
مشاهد الحرب تستقبل القارئ في كل مكان، ولكن هناك ميادين للحب والعواطف الرقيقة، فهناك قصص للحب عظيمة كقصة زال وروذابه، وبيزن، ومنيزه. وهي أجمل أقسام الكتاب، والشاعر في هذا، بل في كتابه كله، يملك القارئ ببساطة الوصف. وعاطفة الأمومة والأبوة والقرابة واضحة في الكتاب كذلك، ولكن يصحبها التعطش للدماء ثأراً للأقارب، فقصة الانتقام لسيا وحسن مثلاً تملأ صفحات من الكتاب كثيرة جداً، وهذا الولع بالثأر يتمكن حتى نجد الرجل العاقل كودرذ يشرب دم أطيب الأعداء بيران. . . .
ويتجلى في الكتاب كذلك ندب حظوظ الإنسان في هذا العالم الحائل والاعتبار بغير الزمان) اهـ.
هذه الميزات الأدبية والتاريخية جعلت للشاهنامة مكانة علية في الأدب الفارسي منذ نظمت، فحاكها كثير من الشعراء بقصص متصلة بموضوعها، فنظمت ست قصص أبطالها من أسرة رستم وهي: كرشاسب نامه، وبطلها كرشاسب جد أسرة سام ابن نريمان. وسام نامه، وبطلها سام بن نريمان جد رستم. وجهانكير نامه، وبطلها جهانكير بن رستم. وفرامرز