وان تراها العيون! وفيه هذا (المزاج الفني) الذي يشرف على انتفاضة الذهن والقلب والشعور ويخلع أثوابه الدقيقة على هياكل الكلمات، ويسلط أضواءه الكاشفة على مشاهد التجربة، ويصبغ، الإطار الخارجي للصورة الوصفية بألوان النفس حينا وبألوان الحس حينا آخر!
في قصيدة الأستاذ حداد يا آنستي كل هذه المزايا الفنية يحفل بها شعراء الأداء النفسي. . وفيها مزية أخرى تفردت بها وتفوقت على قصيدة الأستاذ العطار، وهي انطباق (الحقيقة الفنية) على الموضوع ودورانها حول معناه. اعرض قصيدة الأستاذ حداد عارية من عنوانها على ناقد يتذوق الشعر ثم يسأله: أي عنوان يمكن أن ينطبق على موضوع هذه القصيدة ويصلح لها وتصلح له؟ أنه يجيبك على الفور:(الشاعر). . . بعد هذا اعرضي قصيدة الأستاذ العطار على الناقد نفسه ثم وجهي إليه نفس السؤال، وأنا واثق من أن شيئا من الحيرة سيحول بينه وبين دقة الجواب: من هذا الذي يطوف كالربيع ويلوح كالصباح وينتسب في بنوته إلى القمر والنجوم، والربا والسفوح، والغيم والجبل، والظل والشذى، والليل والنهار، والضحى والمساء، والوديان والينابيع؟ من هذا المخلوق الذي خلع عليه الأستاذ العطار كل هذه النعوت؟ إنها نعوت قد تنطبق على راع من الرعاة، أو على عاشق من العشاق، أو على شريد هائم على وجهه أريت إلى مدى الشقة بين (الحقيقة الفنية) وبين موضوع القصيدة؟!
ثم تؤكدين أن قصيدة الأستاذ حداد مسروقة من شاعر فرنسي فاتك اسمه لأن القصيدة الفرنسية قد ورد فيها تشبيه للغيوم بالحملان تارة وبالوحوش الكاسرة تارة أخرى. لقد كنت أحب أن لا يفوتك أسم الشاعر الذي أشرت إليه حتى يكون لاتهامك نصيب من الواقع. وإذا كان، فهلا التزمت الدقة في التعبير وقلت أن مقطوعة واحدة في قصيدة الأستاذ حداد قد ورد فيها مثل هذا التشبيه في قصيدة الشاعر الفرنسي، بدلا من أن ترمي القصيدة كلها بأنها مسروقة؟! شيئا من الدقة يا آنستي أو شيئاً من الحق والإنصاف!!
ولا بد من وقفة عند قولك معقبة على (هذيان) الأستاذ حداد: (والشعر العربي حريص على التجديد في الأفكار ولكنه لا يغتفر لأحد أن يحدد في الأساليب). . . ترى كم علامة من علامات التعجب تكفيني لأضعها في ذيل هذه العبارة؟ معنى هذا يا آنستي أن الشعر العربي