غمر الطفل بوابل من العطف والرأفة والرقة على حساب العلم، وإحاطته بسياج من الدلال وقوة القانون، ومن هنا شلت يد المربي فأصبح كالجندي الأعزل، حيث لم يحسب لميول الطفولة حسابها، وفيهم من تكفيه النظرة، ومنهم من لا يخاف ولا يرعوي إلا من العصا وما يتبعها من عقاب.
وقد نشأ عن ذلك ما نراه في هذه الأيام من تحلل في أخلاق الشبيبة، وعدم اهتمامهم بالقائمين على تربيتهم، إما بمعاكستهم وإغضابهم أو محاولة الاستهزاء بهم وإهانتهم بل وثورتهم على النظام والعلم، وما أمر تلك الحوادث المؤسفة التي حدثت أخيراً ببعيد.
وها نحن أولاء نشاهد تخلي الشباب عن القيم الأخلاقية وتحليه بما يسمونه الحرية وهي التي بعدت بهم عن العلم وآدابه، وبذلك رفع الإخلاص الذي كان حلقة اتصال بين المربي وتلميذه، فقل الاهتمام وزاد الجهل وغاض معين الوفاء وضاعت المروءة.
فيا ليت شعري أين نحن من الاحترام الذي كنا نحس به لمعلمينا الأماثل في الأزمنة الماضية، لقد كنا نحس بجلال وهيبة دونها جلال الوالدين. بل أين نحن الآن من تلك الآداب السامية وقد جرد منها - مع الأسف - أكثر شبابنا في هذه الأيام؟
على أنني لست أدري - وقد حفيت أقلامً الباحثين - ما منشأ هذه الحالة الأليمة التي وصل إليها شبابنا: أمن تطور الزمن وهو هو لم يتغير -؟ أم من آثار تلك الحرية التي أعطيت بلا حساب فكانت كسلاح حاد سلط على نحورهم وأخلاقهم؟ أم من تهاون المربين؟ أم من فساد الضمائر؟
لقد حيرني ما أراه بعيني في هذه الأيام فمن لي بمن بدلني على سبب ذلك الجحود وهذا الاستهتار الذي يباعد عن الاستفادة من العلم والاغتراف من مناهله العذبة:
ولكني أعتقد مع ذلك اعتقادا جازما بأن التربية الصحيحة والأخلاق المرضية تحيا وتترعرع في ظل الرغبة والرهبة على شريطة استعمالها استعمالاً صحيحاً مبنيا على الفراسة الملهمة والتجارب السديدة السليمة.