السبيل إلى دار أخي فأنطلق إلى هناك علي أجد الهدوء والسلوى؛ غير أني خشيت أن يكشف عن خبيئة نفسي فيحتقر رجولتي ويسخر من ضعفي، فرجعت إلى الدار التي تقذفني بالضيق والألم فتبعثر قوتي وتبدد خواطري. وأنا ألح على رئيسي. على غير عادتي - ليأذن لي فأطير إليك. فأصم أذنيه، فهلا تزلت عن أنانيتك ساعة من زمان؟. . .)
وجاءني خطابها فاترا مقتضباً؛ فتبلبلت أفكاري واضطربت أعصابي، فذهب إلى الرئيس - مرة أخرى - ورأى في كلماتي الإصرار، وأحس في جرأتي العناد، فخاف أن ينفد صبري، فألقي السلم عن يد.
وشملتني هزة من الفرح تبدت لي الحياة من خلالها باسمة تتألق، وسرى الدم في عروقي فواراً ينفث في قوة ونشاطا فقدنهما منذ أن خلفتني زوجي هنا - في القاهرة - أقاسي شدة القيظ وعنت العمل وفراغ الدار وضيق النفس. وتراءت لي زوجتي وهي تلقاني بعد غياب دام نيفاً وثلاثين يوماً. . . تلقاني في طرب يمسح عني العناد، وتضمني في فرح يمحو عني الجهد، وتراءى لي ابني الوحيد وهو يندفع نحوي في بهجة وسرور يطوقني بذراعيه الصغيرتين ويغمرني بقبلاته الحلوة البريئة، فتأججت روحي بالعاطفة الجياشة عاطفة الزوج والأب. فرحت أهيئ نفسي للسفر وأعد لزوجي هدية جميلة وأختار لابني لعبة طريفة. . . ثم انطلق بي القطار وأنا استحثه واستبطئه وبلغت الإسكندرية لدى الأصيل
وقال لي عقلي (هذه ساعة يفزع فيها الناس إلى سيف البحر يستروحون النسمات الطرية ويتنشقون الشذا الزكي ويستمتعون بغروب الشمس حين تغرب في عين حمئة فتلفها الأمواج المضطربة بين ثناياها في رفق ولين مثلما تضم أم ابنها الوحيد في شوق وحنان. .)
فجلست في مقهى على الشاطئ أستجم من تعب، وأهدأ من اضطراب، وأعد نفسي للقيا الحبيبة، وأتصفح وجوهاً تفيض بالبشر وتطفح بالسرور، وخيالي هناك عند زوجتي، وابني لا يبرح
وحانت مني التفاته فرأيت زوجتي فهممت في نشوة أريد أن ألقاها، غير أني شعرت بأن يدا عاتية تمسكني إلى الكرسي. . . شعرت بأن يدا عاتية تدفعني عنها لأنني رأيتها تسير مع رجل غريب، جنباً إلى جنب، وذراعاً في ذراع، ووجهها يفيض بالبشر ويطفح