وإذا بهذا الأعرابي ينبض قلبه بالحنان، وينبثق بالرحمة - وهو الصخر الأصم - فيقبل صاحبته ويحتضن بنته.
ونحن بهذا لا نقوم بدعاية للأدب - وهو مشروع غير ممنوع - ولكنا بصدد التقريب بين رسالة الأدب، ومؤهلات التربية كوسيلتين للإصلاح، ولاشك أن الذوق السليم، والنفس الراضية المرضية من أعز المواهب التي تستكمل بها فضائل الإنسان، الذي يعرف أن له كرامة يجب أن تصان.
وما أسرع الأدب إلى تحقيق هذه الغاية: فإنه هو الذي يكفل للناشئ حياة مضمونة إذا درج على سماع الكلام الموزون، وإلقائه وتمثله وتمثيله، والاستشهاد به في بعض الأحايين.
وأول الطريق هو (الوجدان) الذي يكاد يشبه الكرة من المطاط إذا لم ينفخ فيها الهواء ركدت وأخلدت إلى الأرض، وكذلك القلب بحاجة إلى غذاء الروح، وهذا هو الغنى وتلك هي العافية للفرد والمجموع معا، والفقر ليس في الجيوب، ولكنه في القلوب، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب)
وما أجدرنا بالبدء من هنا للقضاء على ما يسمونه بالمبادئ الهدامة، ولن يكلفنا الأمر أكثر من تغذية الفرد بتراثه العريق. من أمثال وحكم وتعليقات سلطانية، وقصص وملاحم، وقصائد وخطب، ومسرحيات، ومما يدخل الآذان بلا استئذان فيستقر في الوجدان، ولا سيما إذا كان من صميم البيئة ومن أصول العوائد والتقاليد التي قامت الأيام بتمثيلها على مسرح المجتمع.
وإذا كانت معدة الفرنسي تستسيغ أكل القواقع والفيران مما تتأفف منه نفس المصري وتعافه، فكذلك لكل شعب (معدة أدبية) خاصة وذوق لا يعيبه أنه يطرب للموسيقى الشرقية ولا يهتز للموسيقى الغربية، وتستهويه ألحان سيد درويش دون سيمفونيات بيتهوفن.
وهل ينكر أحد اثر خطبة طارق بن زياد في رجاله (البحر وراءكم والعدو أمامكم) تلك الخطية التي إذا أخذنا الناشئة على إلقائها انطلق عقال ألسنتهم وسلموا من رخاوة الحديث