ورطانة الغرب، وأكبروا هذه الفلذة الحية من دماء ماضيهم التي دفعت القائد الجبار إلى إحراق أسطوله ليمضي قدماً إلى البرانس حيث اتصلت حضارة العرب بأوروبا وحتى استمد الشعر البروفنسي عناصر من حضارة العرب كما يقول جوستاف لوبون.
وهذا عقبة بن نافع يخوض بجواده المحيط الأطلسي فيقول: اللهم رب محمد لولا هذا البحر لفتحت الدنيا في سبيل إعلاء كلمة الله. وهذه الأمثال العربية الناضحة بالحكمة، الزاخرة بالروعة مثل: حمى الوطيس، يا خيل الله اركبي، لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين، تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، كيف تصاحبني وهذا أثر فأسك، وكذلك التوقيعات السلطانية المحفوظة في سجلات الشرف والعزة مثل (كثر حاسدوك وقل حامدوك فإما اعتدلت وإما اعتزلت) ومثل (دع الضرع يدر لغيرك كما در لك). .
ولا شك أن هذه الروائع الأدبية من ألزم اللزوميات للزعامة الرشيدة والقيادة المستنيرة، فقد كان النبي عليه السلام ينشد لعبد الله بن رواحة رجزاً جميلاً وهو يعمل مع العاملين في حفر الخندق، في غزوة الأحزاب فيشتد أزرهم وتنشط قابليتهم للعمل، فلا يطغي التعب على مجهودهم، كلما رددوا وراءه عجز الرجز:
والله لولا الله ما اهتدينا
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن نادينا
وإن أرادوا فتنة أبينا
ويكررون الكلمة الأخيرة من رجز الراجز:
سماه من بعد جميل عمرا.
وكان للبائس يوماً ظهرا.
على أن الخيال الذي قد يؤخذ على الأدب إنما هو دعامة العلم الثابت. . لميتدولوجيا (علم مناهج البحث) تحدثنا أن الاختراعات لم تكن قبلا إلا أخيلة في عقول أصحابها، وفروضاً هائمة اقتنصها أرباب الاختراع كما هو معلوم من تفاحة نيوتن، وحمام أرشميدس، حتى جاء الفيلسوف برجسون فأنتصر لعنصر الإلهام في مجال العلوم الخالصة.