للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولا حرج في القول إذن بأن أول مخترع للطائرة هو الشاعر العربي الذي تكنفته الجاهلية بأطباقها، ومع ذلك وصف فرسه فقال:

ولو طار ذو حافر قبلها ... لطارت ولكنه لم يطر

وما أروع الصور الأدبية ذات الألوان والأنغام إذا عرضت

على السمع الذي لا يألف قول المتنبي وهو يمدح سيف الدولة:

لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدت محيية إليك الأغصنا

وكذلك وصف العربي لنفسه وهو يتهدج في لفظه من طول ما أخنت السنون عليه، وأناخت على عوده فيقول:

أصبحت لا أحمل السلاح ولا ... أملك رأس البعير إن نفرا

والذئب أخشاه إن مررت به ... وحدي وأخشى الرياح والمطرا

من بعد ما قوة أعزيها ... أصبحت شيخا أعالج الكبرا

وما أنجح تلك المحاولة التي قام بها الأستاذ الدكتور محمد صبري في تقريبه بين معلقة امرئ القيس وبعض اللوحات الفنية الأوربية لمشاهير الرسامين، وإن كنا نعلم أن (الشعر رسم ناطق، والرسم شعر أخرس) وهذا جبران خليل جبران يتصور فكرة الألوهية فيرسمها بيده الصناع فتخيلها في صورة كف مبسوطة وفي وسطها عين مبصرة. ومن حولهما سحاب الزمن تدور فيه الملائكة بأجيال البشر.

ومع هذا فأين هذه الصورة المرسومة من تلك الصور الشعرية التي عرضها جبران الشاعر عن الفجر إذ يقول:

هل شربت الفجر خمرا ... في كؤوس من أثير

وتنشقت بعطر ... وتنشفت بنور

وهل تنصل الخيوط المستطيلة والمستعرضة للأنسجة الجميلة التي اصطنعها شعراء العرب على نول الفنون؟ كلا فإنها لا تبلى على ممر الأيام، بل تظل تبهر العقل والوجدان، وتستثير الحس، وتستهوي الذوق، فقد أحكم صوغها، فاهتزت لها النفس واستجابت لها الإرادة طائعة مختارة فكأنما هي أسراب طائرة في فلك الجمال، تسبح فيه كما تشاء، وتهبط آخر الأمر على أرض الإنسانية فتزودها بنور الفضيلة، ما وسعها الزاد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>