هذا العربي الأبي النفس الكريم الخلق، يقول::
وأغض طرفي حين تبدو جارتي ... حتى يواري جارتي مأواها
وهذا العربي أيضاً يقول:
إذا كنت ربا للقواص فلا تدع ... رفيقك يمشي خلفها غير راكب
أنخها فأركبه، فإن حملتكما ... فذاك، وإن كان العقاب فعاقب
والنفس الشرقية لابد مستجيبة لهذا الخلق لأنه من سجيتها وطبعها المغروس فيها المركب في سلوكها.
وهذا عنترة العبسي يدلي بدلوه في التربية الأدبية إذ يذكر عبلة وهو في المعمعة فينفث في قيثارته حب الرجل الذي لا يفقده غرامه معالم رجولته إذ يقول:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... منى وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وفي أسطورة بشر بن عوانة حفز للبطولة، وإذكاء للهمة، ولن أنسى قط وقعها في نفوسنا يوم كنا نحفظها وننشدها عن ظهر قلب عندما كنا لا نزال تلاميذ بالمدارس الأولية، تلك القصيدة التي مطلعها:
أفاطم لو شهدت ببطن خبت ... وقد لاقى الهزبر أخاك بشرا
وأشهد أن روح القصيدة كان من أهم العوامل على تطلعنا إلى فهم مغلقات ألفاظها الجزلة، التي لم تعد الأذن تنكرها لسلامة الشعر، وعذوبة الروى، ونبالة الهدف.
وكلما تعمقت في الكشف عن سبب ميلي إلى الأدب، وصلت إلى ما كان يدعوني إليه جدي عليه رحمة الله كلما قدمه ضيف كبير فقد كان يطلب إلي وإلى أترابي من بني الأعمام إلى التنافس في إلقاء ما حفظناه من الشعر في المحفوظات، ونحن بعد تلاميذ بالمدرسة الأولية وكان يشجع الفائز بالتصفيق والتشجيع وبما وراء ذلك طبع من القروش والحلوى.
وللأدب مع ذلك كله رسالة خالدة قام بها أصحاب النفوس الكبار من أمثال محيي الدين بن عربي الذي نفض عن وجدان غبار التعصب، واخترق ضباب الحياة ليحلق في أمسى ذلك عرف القلوب إذ يقول:
لقد كنت اليوم أنكر صاحبي ... إذا لم يكن ديني إلى دينه دين