المحبوبة هي أن تقوم اللجنة التي شكلت بدعوة الأمة كلها، وطرق باب كل مصري لتأسيس كلية أهلية تجمع أبناء الفقراء والأغنياء على السواء، وتهب الأمة الرجال الأشداء الذين يكثرون في عداد خدامها المخلصين ممن لا يخافون في الحق لو ما ولا عتابا ويعملون لمداولة أدوائها، وجمع أمرها وبث روح الوطنية العالية في كافة أبنائها. . .)
ويمضي الخطاب على هذا النحو يهدر بالوطنية، ويزخر بالإخلاص، ويجيش بالإيمان، حتى يرسو على شاطئ المعرفة التي هي دعامة الإصلاح وبداية الاستقلال.
وفي الحق أن هذه الدعوة لقيت سميعا مجيبا، فقد هزت الأريحية مصطفى كامل الغمراوي بك أحمد سراة بني سويف فوجه نداء إلى الأغنياء للاكتتاب لهذا المشروع الوطني الجليل، وافتتحه بخمسمائة جنيه، واشترط فيها اشتراط ألا تختص الجامعة بجنس أو دين لتكون بالنسبة لجميع المصريين (واسطة للألفة بينهم)
وأبدى الخديوي عباس حلمي الثاني ارتياحا لهذه الدعوة النبيلة، واغتباطا باستجابة المواطنين لها، وتشجيعا على المضي في هذا السبيل، فاجتمع بدار سعد زغلول (بك) القاضي بمحكمة الاستئناف العليا يوم ١٢ أكتوبر سنة ١٩٠٢ رجالات القضاء والعلم والسياسة وأصحاب الجاه، منهم قاسم أمين، وحفني ناصف، ومحمد فريد، وعلي فهمي، وعبد العزيز جاويش، وفي هذا الاجتماع تألفت لجنة تحضيرية انتخب لها سعد زغلول وكيلا، وقاسم أمين سكرتيراً وتأجل انتخاب الرئيس لجلسة قادمة، وتقرر تسمية الجامعة باسم (الجامعة المصرية). وبعد ثلاثة أيام من هذا الاجتماع قدم مصطفى كامل من أوربا، فقوبل بما هو أهله من الحفاوة والإكبار، وكان لقدومه أكبر الأثر في شد أزر اللجنة وتزويدها بنشاطه الفكري والعملي معا.
كل هذا واللورد كرومر يستعلن بمحاربة فكرة الجامعة ولا يستخفي، بل يعمل جاهدا على إحباط كل المساعي التي تبذل لتحقيق ما أجمعت عليه الأمة عن بكرة أبيها، ولا سيما في هذا الوقت الذي تدهورت فيه الثقافة المصرية إلى مستوى غير لائق ببلد له رصيد موفور من الحضارة تليدها وطريفها، ومرد هذا التدهور إلى الاحتلال بأساليبه، وفرضه لغته الدخيلة على التعليم الوطني فرضا، بينما أهل البصر من المصريين يهتفون بضرورة إصلاح الأزهر، ووجوب إدخال العلوم والأنظمة الحديثة فيه، ووضع حد لتوزيع الأعمدة