وقد أقامت له حكومة مصطفى فهمي باشا حفل توديع، خطب فيه شاكراً لأنصاره؛ غير أن استدرك فذكر فيما بينه وبين نفسه سخط الشعب عليه، فرمى المصريين بنكران الجميل، وقاتل فيما قال (إن أولاد العميان يولدون في العادة مبصرين) ولم يكتف بهذا الذم الملفوف بل رمى بآخر سهم في جعبته إذ قال: أن الاحتلال البريطاني يدوم إلى ما شاء الله، وتلك كما يقول أولي (حقائق الحالة المصرية) التي لطم بها وجوه من احتفلوا به وودعوه. . .
ومن ابرز معالم الروح القومية التي سايرت الجامعة نوع الدراسات التي احتفل بها طلابها منذ نشأتها الأولى، فقد نوقش طه حسين في موضوعات كلها تمت بصلة وثيقة إلى تراثنا المجيد وهي: علم الجغرافيا عند العرب، والمقارنة بين الروح الديني للخوارج في أشعارهم وفي كتب المتكلمين، وحياة أبي العلاء المعري.
كما أن هذه الدراسات قد جمعت بين الشرق والغرب كما يبدو من الموضوعات التي حددتها الجامعة لامتحانات سنة ١٩١٤ فقد اشتملت على آداب اللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وتاريخ الأمم الإسلامية، وعلم تقويم البلدان ووصف الشعوب، وتاريخ الشرق القديم، وكان أساتذتها الأوائل من أساطين العلم في فرنسا وإنجلترا، وفطاحل المصريين من أمثال إسماعيل بك رأفت (عميد الآداب) والشيخ محمد الخضري والشيخ محمد المهدي ومحمود بك فهمي.
وهكذا تحققت للكنانة رغبتها الصادقة، بفضل هذا التآزر والتعاضد بين الشعب والحكومة والعرش، فسارت سفينة الوطن بأسم الله مجراها ومرساها، وشمخ صرح الجامعة ساميا سامقاً، وكتب التاريخ في أنصع صفحاته لمصر والمصريين مجداً تحفه أعز الذكريات التي تفخر بها الأجيال المتصاعدة، فتمضي قدماً في مرقاة المدنية، وتعلوا إلى أوج الكمال.
ويحق لهذه الجامعة أن تكون (أم الجامعات) في هذا الوادي المبارك، وإنه لوفاء صادق من مصر أن تسميها (جامعة فؤاد الأول) ذلك الملك العظيم الذي نفخ في مصر من روحه الوثابة، وعزمه الطموح، فاستخلص لها حقوقها من أشداق الغاصبين، وحقق استقلالها العلمي أميراً، واستقلالها السياسي ملكاً.
واليوم إذ تحتفل مصر باليوبيل الذهبي لهذه الجامعة، ترى لزاما أن تسعد بما حققته في