ولقد كنت معنيا ببحث هذه النقطة بالذات عقب اطلاعي على نص غامض في كتاب الروضتين جزء أول صفحة ١٨٧ عن حوادث ٥٦٦ هجرية وظهور جنجيز خان كان حوالي ١٦٨ بآسيا الإسلامية فيكون بينهما نصف قرن وأكثر وهذا هو النص:
(لما بلغ نور الدين وفاة أخيه قطب الدين وملك ولده سيف الدين بعده واستبداد عبد المسيح بالأمور وكان يبغضه لما يبلغه من خشونته والمبالغة في إقامة السياسة. . .)
وأني اعتقد بأن النص أن صح كما ورد يحتمل أن السياسة كان معمولا بها قبل مجيء المغول غير أن المبالغة والإفراط في تنفيذ أحكامها كان مكروها لدى نور الدين الذي غلبت على طبعه التعاليم الإسلامية فأصبح ليناً رقيقاً. إن الأنابكة وهم من أتباع السلاجقة لابد أنهم نقلوا عوائد الترك وأنظمتهم في أواسط آسيا. وهذه العوائد خاصة بأنظمة الجيوش والاقطاعات ولا تمس الدين والمعاملات بشيء وقد جاء في صبح الأعشى جزء ٤ ص ٥ (واعلم أن الدولة الأيوبية لما طرأت على الدولة الفاطمية وخلفتها في الديار المصرية خالفتها في كثير من ترتيب المملكة وغيرت غالب معالمها وجرت على ما كنت عليه الدولة الأنابكية)
ويظهر مما كتبه ياقوت عن بلاد الترك أنهم كانوا أهل مدينة وأنظمة فهو يصف العمران في خوارزم وقرثمانة واشروسنة وما يطلق عليه الآن تركستان الصينية وتركستان الروسية وهو يقرر ويكتب ما رآه بنفسه ويقول أن خراب هذا العمران جاء بعد أن تملك خوارزم شاه البلاد وقضى بإجلاء السكان سنة ٦٠٠ وإن إخلاء البلاد سهل على المغول القضاء على خوارزم شاه في سنة ٦١٧ فتخرب الباقي. فليس بمستبعد أن تكون لهم قواعد لضبط النظام بين الجيوش وأخذ الجنود بالشدة وإلا فما معنى قول ياقوت
(وهم أعظم الناس طاعة لكبرائهم وألطفهم خدمه لعظمائهم) ويقول صاحب النجوم الزاهرة ص ٢٨٨ جزء ٦
(ولما تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري أحب أن يسلك في ملكه بالديار المصرية طريقة جنجيز خان هذا وأموره ففعل ما أمكنه - واستمر أولاد جنجيز خان في ممالكه التي قسمها عليهم في حياته وعلى طريقته في (التورا) و (اليسق) إلى يومنا هذا)