- ألد أعدائي الأنواء والرياح، فإنها تخرج أثقالي، وتقطع اوصالي، وتجعل بعضي يموج في بعض.
- والحرب؟
- ويل لي من الحرب؟ أنها تساعد الأنواء والرياح نكايتي واستفزازي، ولا سيما حروبكم الأخيرة التي مزقت أيها الناس لفائف قلبي وقطعت أمعائي، وعلمتني أن أكون كالغراب، آكل لحوم الأموات الخنزة وأواريها في أحشائي
- ولكنك أيها البحر الجروز تأكل لحوم الأموات حتى في غير الحروب.
- هذا كذب وزور.
- كيف وأنت في السلم تلتهم في جوفك الأب فتخلف أبناءه يتامى، وتبتلع في بطنك الحبيب فتفصله عن حبيبته، وتدفن في أحشائك الوحيد فتثكل بفقده أمه؟ إنك قاس أيها البحر مهما أظهرت اللين فاجتذبت القلوب، شرس ولو مثلت الوداعة فأجدت التمثيل.
- ماذا تقول؟
- أقول إنك تتظاهر بكراهية النفاق وأنت غريق فيه كواعظ ينهى على الخلق الذميم وهو يأتيه، وأقول انك تلبس مسوح الرهبان، ينقض على فريستك انقضاض التعبان.
- لقد أكثرت القول يا هذا وأنا صبور.
- وأقول إنك كساسة الغرب تصافح بيد من حرير. وأنت تبيت الغدر، وتمكر أشد المكر. . . أما كان خليقاً بك أن ترحم الملاحين الذين يمخرون عبابك، والرحالين الذين يضربون في مائك، والمسافرين الذين ينزلون ضيوفاً عليك، والسابحين الذين يغوصون في قاعك؟ أما كان جديراً بك أن تأخذ بأيديهم إلى الشاطئ بدلاً من أن تغيبهم في أعماقك، أو تهشمهم على صخورك، أو تلقي جثثهم عند أقدام جزرك، أو تحبسهم في مضيق خلجانك أو تجعل بقاياهم طعاماً لحيتانك؟!
- أيها الفضولي المتفلسف! إنك تجهل حقائق الأمور. ما ينبغي لي أن أغرق أحداً وما أستطيع. أن أعدائي الرياح والأنواء تأبى إلا أن تزيد في نكايتي واستفزازي فتثور في وجوه أحبابي، وتهوي بهم في مكان سحيق.
- ربما اقتنعت بكلامك لو وقفتني على سر هذه الطعوم التي تعدها لنا معشر الناس.