- أعني طعومك. . . أعني اللحوم الطرية التي تجول في صدرك، بل الحلي الجميلة التي تتدلى على نحرك. . . أعني الأسماك التي ترغب في اصطيادها، واللآلئ التي تولع باقتنائها. . . أو ما تكفي هذه وتلك لتكون طعوما لنا معشر الناس؟
- وما ذنبي إذا جئتم تغتصبون حيتاني فأغرقتكم في عبابي، أو أقبلتم تسرقون مرجاني فأوصد عليكم بابي؟ أن طمعكم يوردكم المالك أيها الناس.
- ولكنك أحياناً تعدو علينا من غير أن نأكل حيتانك، أو نسلب لؤلؤك أو مرجانك.
- ومتى عدوت عليكم؟
- كلما جن جنونك، وثارت ثورتك، فراحت قيضائك تدمر المدن الوادعة، وتدمدم على الدور الآمنة.
- لي بإقناعكم أن ليس هذا بعدوان مني أيها الناس من لي بإقناعكم أن العدوان لا يقوى عليه إلا ذو مرة وجبروت وأن ليس لي من القوة ما تزعمون؟ إنما فيضاني بكاء المهزوم المتراجع. أن عيوني لا تفيض إلا إلى حين تنتصر عليّ الأنواء العاتية والرياح الغاشمة. وأنتم أيها المساكين ضحايا دمعي المسكوب، فوا رحمتاه للضعيف المغلوب.
- كفى. . . كفى أيها البحر! ما برحت عند ظني بك، فإنك على قوتك تظهر الضعف، وعلى قسوتك تزعم اللين، وعلى نفاقك تدعي الإخلاص، وتريدنا معاشر الناس أن نؤمن بدعاويك وننخدع بزخرف ألفاظك.
ولم يدعني الحر أتم كلامي، فلقد تقبضت صفحة وجهه فقام على عرشه وقعد، ثم أرغى وأزبد، وأنذر وتوعد، ثم حشر جنوده الأمواج، وناداها، فأسرعن عاديات إليه من الشاطئ القريب، وأيقنت أني سعيت إلى حتفي بلظفي، فاستسلمت للأقدار وطفقت أسبح تارة على ظهري وتارة على جنبي، وأخبط طوراً بيدي وطوراً برجلي، وأريد أن أستغيث فلا تنطلق الاستغاثة من حلقي، ثم قبض الله لي الريح عدوة البحر فطردت فلول الأمواج إلى ناحية وأنشأت تدفعني بكلتا يديها إلى ناحية، حتى قاربت الشاطئ خائر القوى لاهث الأنفاس، فتلقاني بعض السابحين وأنقذني ومسرني ثم ابلغني مأمني.
ولما خرجت قدماي من المياه سمعت صوت البحر الأجش يجليل في الفضاء، شامتاً بما