حرص على أن (يكون البحث خالياً من المصطلحات الميتافيزيقية) وعالم الميتافيزيقية كله تجريد مبعد عن العالم الفيزيقي.
سنتجاوز عن كل هذا وعن مناقشة الآراء الفلسفية لأننا هنا بصدد مناقشة نقد أدبي ورواية مسرحية يجب أن تتوفر على الكشف عن جوانبها الفنية. وليس تجاوزنا هذا من باب تجاوز الدكتور في مقدمته عن ذكر أسباب عداء الجماهير والأحزاب لسارتر وينسى أن من حق القارئ عليه أن يعرف جانبا منها. فقد قدمت المسرحية للتمثيل - كما يقول المترجم - وفرنسا ترزح تحت كلاكل الاحتلال الألماني وظلت تعرض على الخشبة أكثر من ثمانية عشر شهراً) ومسرحية توافق سلطات الاحتلال على استمرار عرضها هذه المدة يحق للجميع أن يعادي صاحبها، لأنه تعاون مع سلطات الاحتلال ولاقى منهم كل معونة في الوقت الذي كانوا يملئون فيه المعتقلات بالأحرار الذين لا يعمدون إلى إلهاء الناس عن واقعهم الأليم بواقع إغريقي لا يمت إليهم - كما فعل سارتر بهذه المسرحية الخائنة بل كما فعل بكل فلسفته. ولو قيل أن المسرحية لاقت نقد بعض الأدباء الألمان فإني أقول أنه كان نقداً مغرضاً قصده التعمية، أو أنه نقد بعض الأحرار الذين يرفضون كل أعمال الوجوديين أساسا لطغيان جانب الفكر فيها على جانب الفن، بل وقضاؤه على المقومات الفنية، وأن الفكر الذي تستند عليه مستمد من فلسفتهم المتداعية. وأنهم لا يقدمون هذا الفكر تقديماً فنياً فلا يعترفون بأن المسرح غير الكتاب، وأنه ليس مجالًا لعرض الأفكار وتعارضها بل مجال الحياة وصارع الأحياء وأن إيراد الفكر عندهم لا يكون بطريق الإيحاء والتلميح بل بحشو المسرحية بالفكر الفلسفية الجافة التي لا يكتفون بإيرادها صريحة بل يصوغونها في قالب خطابي مثل الخطب الطويلة التي تمتلئ بها هذه المسرحية، وإذا أرادوا إعطاءها الشكل الفني استجلبوا صوراً غريبة غرابة الفن السيريالي الذي ينقلونها عنه - وبهذا يهدمون لاستعانتهم بفنون غيرهم. وهذا واضح في الخطبة التي انتهت بها مسرحية (الذباب).
وإذا تركنا هذا الباب جانبا - ونقول (أنتقلنا) متأثرين بما صنعه مترجم المسرحية، فقد جعلنا نحس فرقاً كبيراً بين لغة المقدمة التي لخص فيها آراء سارتر ولغة المسرحية التي ترجمها. فمع أن وسيلتها واحدة وهي النثر فأنت تلحظ أن أسلوب المترجم فيهما مختلف. فبقدر حرصه في المقدمة على بساطة التركيب، واستخدام الكلمات استخدماً موضوعياً، نجد