حرصه الكبير في ترجمة النص على تقيد التركيب واستخدام الكلمات استخداما جمالياً - ورغم أن هذا الأسلوب عدو المسرح، فإنه خروج على طبيعة النثر الوجودية، إذ يدخله في مجال الشعر، لأن الكلمات هنا تستحيل إلى (أشياء) نراد لذاتها. بل أنه أحياناً كان يعمد إلى السجع فيقول مثلاً (هنا نحن تحيط بنا وجوهكم وكل ما كان في هذه الحياة من متاع. وها نحن نلبس عليكم ثياب الحداد دون انقطاع) وهذا يجعلنا نقول في أسف أن ترجمة النص جاءت بعيدة عن روح سارتر أو طمست معالمها.
ويبدو أن الدكتور القصاص شعر بخفة وزن المسرحية التي يترجمها فكان حريصاً على أن يكسبها هذا الشكل البلاغي، أو أنه شعر أنه يقدم مسرحية مقروءة فاعتمد على بلاغة الكلمات لإحساسه بأن الرواية تعوزها مسرحية الأحداث والحركات. ونحن مع اعترافنا بأن مسرحية الذباب - سواء في النص الفرنسي أو الإنجليزي - لا تعد وأن تكون مسرحية مقروءة فإنها ستظل كذلك على الأقل في مصر، لاتكاء المترجم على الكلمات واستخدامها استخداماً بلاغياً لا مسرحياً. وبهذا أكد صفة القراءة في المسرحية ونفى عنها إمكانية التمثيل، لأن المشاهد العادي لن يستطيع متابعة حوارها البلاغي. ويبدو كذلك أن المترجم أدرك عدم قدرة المسرحية على اجتذاب الجمهور فتصرف في ترجمة عنوانها حتى يلفت أنظار الناس وسماها (الندم) وتنبه أخيراً فكتب بخط صغير (أو الذباب) على طريقة مترجمي القرن التاسع عشر. ويظهر أن هذا الشيء الوحيد الذي قدمه المترجم أو لعله أراد أن يلخص المسرحية في كلمة واحدة، كلمة تذهب بكل مقومات المسرحية؛ لأن المسرحية التي يمكن تلخيصها مهدومة من أساسها. أو لعل المترجم أراد أن يحاكي المؤلف حين أتخذ من أشخاصها أفواهاً يرددون كلماته حتى لا يفوت القارئ إدراكها. وكلمة الندم لا تتوفر الطبيعة المسرحية، وهي قريبة من طبيعة الصراع الذي أورده مؤلف المسرحية وجعله يدور بين الإنسان والإله، وهو صراع يتناقض مع طبيعة المسرح الحديث، لأنه موقف فكري معقد مجاله كتب الفلسفة أو المسرح الكلاسيكي القديم، وفيه تطرف، والمسرح قائم على عرض كل ما هو عادي متعارف عليه. وإخضاع مثل هذا الموقف للمسرح فيه قسر وجبر يتنافيان وعدم اعتراف الوجودية بأي لون من ألوان الجبرية.
وهذا هو الأساس الذي تستند عليه المسرحية - المسرحية التي لا جديد فيها رغم الضجة