للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولنسمع الآن ما يقوله الغزالي في هذا الموضوع:

(أعلم أن العلم قسمان، علم مكاشفة وعلم معاملة. أما علم المكاشفة فهو علم الباطن وذلك غاية العلوم، وهو علم الصديقين والمقربين وهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة ويتكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسمائها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة، فتضح إذا ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقة) ثم يقول: (ونعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى الحق في الأمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه وهذا ممكن في جوهر الإنسان).

وما دمنا نتحدث عن رأي الغزالي في العلم كجزء من العملية العقلية فقد وجب علينا أن نتحدث عن العقيدة والأيمان واليقين في نظر الغزالي لأنها أنواع من العلم تتخذ أشكالا خاصة في النفوس البشرية، وتولد فيها عواطف قوية تدفع بأصحابها إلى أعظم الأعمال، وتعينهم على تحمل أفدح الآلام. ولنسمع الآن ما يقوله الغزالي في هذا الموضوع الجليل: (أعلم أن اليقين لفظ مشترك يطلقه فريقان لمعنيين مختلفين أما النظار المتكلمون فيعبرون به عن عدم الشك. إذ ميل النفس إلى التصديق بالشيء له أربع مقامات.

(الأول) أن يعتدل التصديق والتكذيب ويعبر عنه بالشك.

(الثاني) أن تميل نفسك إلى أحد الأمرين مع الشعور بإمكان نقيضه ولكنه لا يمنع ترجيح الأول وهذه الحالة تسمى ظناً

(والثالث) أن تميل النفس إلى التصديق بالشيء بحيث يغلب عليها ولا يخطر بالبال غيره، ولو خطر بالبال تأبى النفس عن قبوله ولكن ليس ذلك مع معرفة محققة، إذ لو أحسن صاحب هذا المقام التأمل والإصغاء إلى التشكيك والتجويز، اتسعت نفسه للتجويز وهذا يسمى اعتقادا مقرباً لليقين. (والرابع) المعرفة الحقيقية الحاصلة بطريق الرهان الذي لا يشك فيه. فإذا امتنع وجود الشك وامكانه يسمى يقينا. وأما الفقهاء والمتصوفة فلا يلتفتون في اليقين إلى التجويز والشك بل إلى استيلائه على العقل، فمهما مالت النفس إلى التصديق بشيء وغلب ذلك على القلب واستولى عليه حتى صار هو المتحكم والمتصرف في النفس بالتجويز والمنع سمي ذلك يقينا). ولنسمع أيضاً ما يقوله الغزالي في الإيحاء الذي يتكون به الاعتقاد واليقين: إعلم أن ما ذكرناه في ترجمة العقيدة ينبغي أن ينكشف له معناه في

<<  <  ج:
ص:  >  >>