الاتجاه العالمي أمل يجب أن نباركه في حيطة وحذر. ولا غنى لنا عن الأخذ بالاتجاه القومي في تربيتنا كشعوب صغيرة، لا إقتداء بواقع الأمم الكبرى، ولكن محافظة فحسب على كياننا ووجودنا الخاص.
وإن فكرة هذا المؤتمر الثقافي وعقده من ممثلي الشعوب العربية لمناقشة الأسس التربوية السليمة في توجيهها مشتقة من الرغبة في الحرص على هذا الكيان الخاص.
ومقومات شعوبنا هذه كأمم تعيش في جو عربي إسلامي تتصل اتصالاً وثيقاً بالدين والتقاليد واللغة العربية وأدبها، وبالفكر الإسلامي واتجاهاته، وبتاريخ الأطوار السياسية التي تتعلق بنظام الحكم والتغييرات الداخلية وعوامل هذا التغيير في الأمة الإسلامية. وبعبارة أخرى تعتمد مقومات هذه الشعوب على ماضيها في المعرفة والفكر والتاريخ. وذلك ما يمثله التراث الإسلامي.
والأزهر منذ وجوده - في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي - يعنى بهذا التراث الإسلامي. . يعنى بالدين في صوره المختلفة، إن في دائرة العقيدة، أو التشريع، أو السلوك، ويعنى باللغة العربية وما يتصل بأسلوبها وأدبها، ويعنى بدراسة الحركات السياسية الإسلامية منذ الدعوة إلى الإسلام حتى تدخل النفوذ الأوربي في توجيه سياسة البلاد الإسلامية في الوقت الحاضر.
بل ذهب بعض علماء الأزهر في الحرص على هذا التراث والعناية به إلى حظر دراسة أية مادة أخرى لا تتصل بالإسلام نفسه وأن اشتغل بها كثير من علماء المسلمين في كل العصور، وكان لها أثر في مجال الفكر العربي الإسلامي.
وأستمر هذا البعض من العلماء على هذا الحظر مدة طويلة إلى بداية الربع الأخير من القرن التاسع عشر. ومن أجل ذلك رمى بالجمود مرة والتعصب مرة أخرى. وربما كان لهذا الحظر على هذا النحو - مضافاً إلى عوامل أخرى سنذكرها - أثر في تضييق المجال أمام الثقافة الإسلامية.
ولم يكن موقف هؤلاء المتشددين إلا إسرافاً في الغيرة على التراث الإسلامي. فالأزهر بحق موطن الدراسة القومية في الشرق الإسلامي. ولذ كان مصدراً للحركات السياسية الوطنية في مصر وغيرها من البلاد العربية، كما كان مدرسة لتخريج زعماء الفكر وقواد